عادل عمار ..يكتب هل التصالح المالي مع الاخوان ونظام مبارك ينقذ الاقتصاد المصري
بقلم د. عادل عمار
عقب ثورة 25 يناير، تشكلت لجان وتبدلت أخرى وأجريت مفاوضات، منذ إعلان الدولة عن فتح باب التصالح مع رموز نظام مبارك، وتم تداول إحصائيات وصفت الأموال التي ستعود إلى الدولة بأنها «فلكية»، تقدر بنحو 110 مليارات جنيه مصري، وفقًا لأحكام قضائية ابتدائية أو تحقيقات نيابة الأموال العامة. أن المصالحات مع رجال الأعمال تستهدف الحصول على أموال تساعد الحكومة المصرية من مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد.
وتأتى الدعوة إلى التصالح هذه بعد إجهاض العديد من المحاولات الخارجية والداخلية للمصالحة، يبدو أن انحسار موجة الإرهاب، التي ضربت البلاد، واستكمال مؤسسات الدولة الدستورية بانتخاب مجلس النواب، والتأييد الخارجي الواسع لجهود الرئيس السيسي في محاربة الإرهاب.. كل ذلك دفع إلى السير باتجاه المصالحة وإن كانت مشروطة. وفي كل الأحوال، تبقى أمنيات المصالحة بين الحكومة وجماعة الإخوان بعيدة المنال في الوقت الحاضر. وذلك لتورط غالبية قياديي الجماعة في قضايا جنائية وسياسية وعلى رأسهم مرشدها محمد بديع، الذي يواجه حكما بالإعدام.
كما تلاحق الهاربين من قيادات الإخوان خارج مصر تهم جنائية وأحكام مماثلة؛ فضلا عن أن حالة من الاستعداء تكونت خلال فترة حكم الجماعة لمصر وما تلتها. وهو ما أدى إلى ظهور رفض شعبي لعودة الإخوان إلى ممارسة دورهم التنظيمي أو وجودهم ككيان سياسي في البلاد. هذا، ويسأل كثيرون عن توقيت التلميح إلى إمكانية التصالح، في وقت يصدر فيه مزيد من الأحكام القضائية، بالسجن المشدد والمؤبد لمدة أربعين عاماً،
أن “توجه الرئاسة فيما يتعلق بالمصالحة مع رجال الأعمال واضح، والخطوات الأخيرة التي اتخذتها تحمل رسالة إيجابية لرجال الأعمال لتشجيعهم على تسوية أوضاعهم وفقا للقانون، والدولة ترحب بعودتهم للمشاركة بقوة في دفع عجلة التنمية”. عقب تسوية تمت بين مصلحة الضرائب وأسرة ساويرس، تقضي بأن تسدد إحدى شركاتها (أوراسكوم للإنشاء والصناعة) ضرائب قيمتها 7،1 مليار جنيه مصري (أكثر قليلا من مليار دولار) على خمس سنوات من بينها 2,5 مليار جنيه تسدد على الفور.
وتم التصالح كذلك مع وزير التجارة والصناعة في آخر حكومة في عهد مبارك رشيد محمد رشيد الذي سدد 15 مليون دولار وأعلنت النيابة العامة رفع اسمه من على قوائم ترقب الوصول (التي تضم المطلوبين للعدالة). و “لدينا معدلات بطالة وصلت إلى أكثر من 13% وعجز في الموازنة العامة وفي ميزان المدفوعات فهل من مصلحتنا أن يستمر الركود لسنوات طويلة أم من صالحنا أن يتم تصالح في إطار القانون ليستفيد الاقتصاد”.
وباتت الإجراءات التقليدية للمحاكمة عن هذه الجرائم عقمها باد ، إذ سلبت – مع طول أمدها- شعور أفراد المجتمع بالعدالة وقدرة مرفق القضاء على تحقيق الردع، مما مهد للبحث عن بديل سريع للدعوى الجنائية، يُمَكِنُ الدولة من إنهاء الدعوى الجنائية علي النحو الذي يحقق الغاية منها . وفيما يبدو أن التجربة المصرية في هذا الصدد قد تشبثت بأهداب هذا التبرير، حينما اتجهت لتبسيط الإجراءات في محاسبة المتهمين بجرائم الفساد المالي في المرحلة السابقة بإصدار قانون التصالح في جرائم المال العام رقم 16 لسنة 2015 أملاً في تحقيق مصلحة اجتماعية تتمثل في استرداد الأموال العامة المسلوبة والتي قد تعجز منظومة العدالة الجنائية عن استردادها في ضوء النظم الإجرائية التقليدية للدعوى الجنائية.
فبموجب القانون 16 لسنة 2015 والصادر في 12 مارس 2015 استحدث المشرع المصري نظاماً جديداً للتصالح الجنائي بين الدولة والمتهم، إذ أجاز بمقتضاه التصالح في جرائم الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وهي جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر. فأدخل المادة 18 مكررا ب إلي قانون الإجراءات الجنائية والتي نصت علي أنه: ” يجوز التصالح في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ويكون التصالح بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء ويحرر محضر يوقعه أطرافه ويعرض على مجلس الوزراء لاعتماده ولا يكون التصالح نافذاً إلا بهذا الاعتماد
ويعد اعتماد مجلس الوزراء توثيقاً له وبدون رسوم ويكون لمحضر التصالح في هذه الحالة قوة السند التنفيذي. ويتولى مجلس الوزراء إخطار النائب العام سواء كانت الدعوى ما زالت قيد التحقيق أو المحاكمة ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية عن الواقعة محل التصالح بجميع أوصافها وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها على المتهمين في الواقعة إذا تم الصلح قبل صيرورة الحكم باتاً.
فإذا تم التصالح بعد صيرورة الحكم باتاً وكان المحكوم عليه محبوساً نفاذاً لهذا الحكم جاز له أو وكيله الخاص أن يتقدم إلى النائب العام بطلب لوقف التنفيذ مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له، ويرفع النائب العام الطلب إلى محكمة النقض مشفوعاً بهذه المستندات ومذكرة برأي النيابة العامة وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ تقديمه، ويعرض على إحدى الدوائر الجنائية بالمحكمة منعقدة في غرفة المشورة لنظره لتأمر بقرار مسبب بوقف تنفيذ العقوبات نهائياً إذا تحققت من إتمام التصالح واستيفائه كافة الشروط والإجراءات المنصوص عليها في هذه المادة ويكون الفصل في الطلب خلال خمسة عشر يوماً منذ تاريخ عرضه وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمحكوم عليه. وفي جميع الأحوال يمتد أثر التصالح إلى جميع المتهمين أو المحكوم عليهم دون المساس بمسئوليتهم التأديبية ويقدم طلب التصالح من المتهم أو المحكوم عليهم أو وكيله الخاص ويجوز للأخير اتخاذ كافة الإجراءات المتعلقة بإعادة إجراءات المحاكمة في غيبة المحكوم عليه في الأحكام الصادرة غيابياً”
خلاصة القول
إن ظاهرة الفساد السياسي والمالي والاقتصادي استشرت في الدول العربية بشكل ارتبط بالصفقات الكبرى والتربح من القرارات السياسية وقد أدي ذلك إلي ازدياد كلفة الخدمة العامة وسوء أدائها وتبدد عدالتها وتشويه القطاع الخاص، وهدر مبدأ تكافؤ الفرص، وإعاقة آليات السوق وتوقف المنافسة وكل ذلك.
أن أضرار الفساد تؤثر علي قيم العدالة الاجتماعية المنوط بالدولة حمايتها. كما أن جرائم الفساد تتمتع بذاتية تميزها عن الجرائم الأخرى لاسيما فيما تتمتع به من تنظيم وسرية وتعدد الأطراف وارتباطها بالنفوذ السياسي.
بينما جرائم الفساد السياسي لا تؤثر فحسب علي الوضع الاقتصادي والمالي للدولة بل تهدم قيم الديمقراطية والعدالة وهيبة القانون. تتعدد أدوات ومصادر الفساد فتبدأ باستغلال الوظيفة العامة والمال السياسي وتنتهي بتسخير القانون لخدمة الأغراض الفاسدة.
أن “هناك إرادة سياسية للتصالح مع رجال الأعمال المنتمين للنظام السابق من أجل إبقائهم في مصر والعمل على إقناعهم بالاستمرار في العمل”. يمكن أن تتم مصالحات مع الجميع باستثناء مبارك ونجليه لأن التصالح مع أسرة الرئيس السابق كلفتها السياسية كبيرة”.
أن أحكام البراءة التي حصل عليها عدد من رموز النظام السابق أخيرا “ليست أحكاما سياسية بل هي أحكام تستند إلى القانون” كون الأدلة ضعيفة في معظم هذه القضايا. نظرة على تلك العوامل المتقاطعة، تعزز فكرة أن المصالحة لم يحن وقتها بعد. هي آتية لا محالة، لكن الأغلب أنها لن تحدث الآن،لا غرو أن الظروف السياسية التي مرت بها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 تركت تداعياتها على كل من الساحتين التشريعية والقضائية، نظراً للمطالبات المستمرة بمحاسبة مرتكبي جرائم الاعتداء على المال العام، بما يضمن تحقيق العدالة في مواجهة مرتكبي هذه الجرائم من ناحية واسترداد الدولة لمالها العام المسلوب بطائفة من صور الفساد المالي والإداري من ناحية أخرى.