مفيد فوزي…. يكتب يا نزار.. ما عدنا ننتشى!
إليه أكتب..
أبوتوفيق، أبوهدباء وزينب، رفيق رحلة بلقيس على الأرض «الغائب الحاضر» نزار قبانى: مرت ذكراك منذ أسابيع قليلة، فتذكرك البعض وكتبوا عنك على استحياء. لكنى أراك سيدى عصياً على النسيان. أنت ذاكرة عاطفية لأمة شبت على قصائدك. أنت كائن استثنائى يستثنى من ذلك موقفه من الموت. يا من أسعدت القلوب وذهبت بمرض القلب. يا من عشت درباً من المعارك كانت سبباً وراء العطب الذى أصاب قلبك. أيها العازف الحنون على أوتار القلوب والمغنى العذب فى الشوادر والأمسيات. يا نبى الحب يا من كنا ورفقاء جيلى نستعير عبارات من قصائدك لنكتبها لحبيباتنا وكنت المتحدث الرسمى بلا منازع للحب وتربينا على دواوينك وتدفقت الدماء بحرارة يوم اكتشفنا المغامرة الأولى مع امرأة. يا من أحببنا نثرك الجميل الذى كان ينافس شعرك. لم نعد – اليوم – ننتشى!
■ ■ ■
لقد حلمت – يا نزار – بوسيلة حضارية للاحتفاء بك غير سرادقات الكلام ومناسبات التأبين. حلمت بجائزة تحمل اسمك أيها الدمشقى الذى احترف الهوى فاخضوضرت لغنائه الأعشاب. حلمت بجائزة تحمل اسمك وتذكرنا دائماً أنه لا شىء يصعد بالفنان إلى مرتبة المصداقية سوى الموهبة القذيفة والموت إخلاصاً للشعر. أيها الناطق بلغة الناس فأحبه الناس. أيها الطفل الذى لعب بكرة الشعر مع الأطفال بعد أن كسر صرامة القواميس وجفاف المعانى. هل يصلك صهيل الحزن على كلمات دخلت قاموس العصر السياسى مثل «فشخ»؟!! يقال «فلان فشخ فلان» أى هزمه وقتله أدبياً ولقنه درساً. ويظل وقع كلمة فشخ فى الأذن موجعاً. نعم، لم نعد – اليوم ننتشى!
■ ■ ■
يقول مثل دنماركى: «الأقلام واحدة ولكن المواهب متفاوتة». الكل يكتبون أنهاراً من الكلمات ولبعضها القليل القليل بعض من العطر. الحروف تبكى من سوء استخدامها والكلمات تنتحب. صرنا نشهد جرماً حياً فى شارع الكلام. صارت العامية وجعاً فى قلب اللغة العربية يا نزار. يا من كنت بأشعارك تعتذر لنا عن ركاكة الحياة، وكانت كل قصيدة «مزهرية» عطرها لا يذهب، يا من خلصت اللغة من الرسميات، أيها المؤسس لجمهورية من الشعر قوامها ما يزيد على مائة مليون عربى. إليك أشكو خشونة الكلمات وجلافة المعانى وكومة من الكلام وزنها ثقيل، رغم أنها فارغة. إليك أشكو لغة الصحف التى أغفلت أساليب كامل الشناوى وهيكل وبهاء ويوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوى وإحسان عبدالقدوس، وصار لها أساليب حديثة تميز أغلبها بالضحالة والفجاجة وسوء القصد والشتائم المبطنة. صارت أساليب الكتابة كما يصفها الشاعر محمد الماغوط «ثرثرة تهتك الورق» وما عدت – اليوم – أنتشى!
■ ■ ■
نزار: يا من بكاك العشاق فى كل مكان. وانتحبت القصائد وأضربت الدواوين الشعرية عن الطعام ونكست جمهورية الحب الديمقراطية أعلامها، وأصدرت بياناً تعلن فيه أنك لم تمت، لأن الشعراء لا يموتون. إنهم أحياء فى الصدور يسكنون الشرايين والأوردة. صارت الأغانى فى هذا الزمان «عقاباً بدنياً» للأذن إلا قليلاً. صارت المعانى سقيمة، يا من حاصرتنا بالجمال فى بساتينك، غناها العندليب حليم، وشدت بها نجاة، وامتطى حصانها القيصر كاظم. كانت أشعارك محرضة على الغناء. كان شذاها يعبث بالحناجر. يا صاحب اللغة النزارية، الساكن فى الوجدان من طفولة نهد إلى هوامش على دفتر النكسة. المغناة قصائده من حناجر الطرب. أبحث اليوم عن كلمات مغناة تهز أوتار الفؤاد طرباً. أبحث اليوم عن حنجرة تهذى فناً فأهديها أذنى سمعاً. أبحث عن مؤلف يملك جنون شاعر، أبحث عن أصوات تحمل هرمونات إبداع المبدعين. الآن، لم نعد – بعد الفقر الإبداعى – ننتشى..!!
■ ■ ■
أتساءل: هل يأتى نزار آخر؟ لا أعرف، فقد كنت الشاعر العربى الأكثر شهرة. كنت المتوهج الذى يملك أكبر إمبراطورية شعرية بعد إمبراطورية المتنبى، واستطعت أن تفرشها بقصائد من الماء إلى الماء. كنت الشاعر النجم الذى أحدثت قصائده فى الحب أو السياسة حريقاً هائلاً فى الوجدان العربى. ما عادت هناك قصيدة يتحدث الناس عنها فى مقهى أو ملتقى. ما عادت هناك قصيدة «نجم» يشار إليها. ما عادت هناك قصيدة تشعل حريقاً فى عطفة شارع أو زقاق. صار فى حياتنا الأدبية جدب وجفاف وعقم. هل ذهب زمان الشعراء والحزن الذى يخترع النساء. أشعر بالغربة فى زمن التنافر والتباعد الإلكترونى، فليس غير القريحة قادرة على الحمل وولادة قصيدة ولم نسمع عن كمبيوتر أنجب قصيدة. ما عدنا اليوم ننتشى!
■ ■ ■
يا قيصر القصيدة نزار قبانى. المدفون – بأمر حافظ الأسد – فى تراب دمشق وغوطتها، وقد مات على سريره فى لندن، الآن نعيد – رفقاء جيلى – قراءة قصائدك هرباً من «ثقافة الفشخ» التى تسود الآن. الآن نعيد – رفقاء جيلى – قراءة دواوينك من جديد لنسمع فرحة الشرايين ولغو الأوردة. الآن نعيد – رفقاء جيلى – أغانى بعثت بكلماتك العطر فى حناجر المغنين ونطهر الأذن من ركاكة شاءت أقدارنا أن نسمعها. الآن – ورفقاء جيلى – نستمتع بنثرك الذى يتكحل بإيقاع موسيقى قلما «سمعته» فى نثر آخر. فقد كنت يا نزار تكتب مقالات ذات عطر فوَّاح. الآن المقالات بعضها «كمائن» حتى إشعار آخر. لهذا ما عدنا ننتشى!
فى الشأن العام
1- الالتزام بالموعد المحدد لحفل أو لقاء للمسؤول العربى، صار وهماً.
2- وأنت تقود سيارتك لا تقف أبداً لامرأة شيك أو رجل عجوز أو طفل تائه. فسوف «تخدرك» العصابة المتخصصة فى بيع الأعضاء وتلقى فى خرابة مجهولة. إنهم لصوص أعضاء جسم الإنسان وأغلق شبابيك سيارتك ولا تجعل أحداً يقرب «الفل» من أنفك ففيه مخدر. إن آخر صيحات الجريمة التخدير المتقن عن طريق وسائط خادعة المظهر.
3- مجتمع الكويت بقيادة الأمير صباح يحمل تسامحاً وإسلاماً وسطياً وفى برلمانه 4 نواب إخوان «تحت السيطرة» وقد سعدت باستقبال الكويت للبابا تواضروس فى مناسبة تدشين كنيسة جديدة لأقباط الكويت الأرثوذكس. وسعدت أيضاً بزيارة البابا لأوبرا الكويت الجديدة غير المسبوقة من البناء والفخامة والتحضير لاستقبال أوبرات العالم. زارها البابا وهو معجب بالطرز الهندسية والوظيفة التى تؤديها. وقد أتيح لى زيارة الأوبرا الجديدة بتكليف من وزير إعلام الكويت بالإنابة د. محمد الصباح بعد تكريمى فى حفل بهيج أنا وآخرين من منتدى العربى الكويتى وشهد الحفل رئيس وزراء الكويت وكان نجم الظل فى الاحتفالية أحد رموز الكويت «ماضى الخميس» وقد صعدت إلى المسرح بعد تقديمى بمقدمة جميلة تصف مشوار عمرى ببلاغة وفصاحة وكتمت دمعة كادت تخذلنى وتسقط على خدى من فرط الاستقبال لحفنة سنوات من العطاء.
4- يراهن السيسى على «صبر» المصريين و«تحملهم» غلاء الأسعار بعد تعويم الجنيه والمشروعات العملاقة لصالح الأحفاد.. وتفسيرى لهذا الصبر أن المصرى «فرَّاز» يعرف من يحبه ويسعى للخير لكل المصريين ومن يؤثر «جماعته» فقط بالخير!