مقالات
نهال علام …. تكتب ماسبيرو زمان
بقلم الاعلامية والكاتبة نهال علام
ذاتَ يَوْم ليسَ ككلِ يَوْم، فَهو يَوْمُ حظِي ، أنتظره طويلاً ليأتي قصيراً ويمُرُ سريعاً، إنّه اليومُ الذي سأذهب لأنتظار والدّي في الفناء الرحِب المُخصصِ لأستقبالِ الضيوف داخِلَ مبني ماسبيرو ، كنتُ لا أنامَ جيداً في تلك الليلةِ من فَرْط فرحتي بالغدِ الذي سأخطو فيه علي سلالِم المبني الرُخامية ، وأقف علي أعلي دَرَجَة مِن دَرَجَات باب (أربعة ) وأرقُب مِن تلك النقطة عَبقرية هذا المبني وهو يحتضنُ الحياة!
قَبْلَ أن توضَعَ حوّلَه الأسوارِ الأسمنتيةِ والحديديةِ بهدِف تأمينِه وحمايتِه ، كانت أبوابه ُزجاجية رقيقة في زمن ما قبلَ الزُجاج المُصفح ،وَلَا أَجِد في حقيبة ذكرياتي المُكدسة بالمحبةِ والسعادةِ لِكُلِ ما كان ذكري ،عَن حادِثٍ لألقاء ورقة علي باب المبني علي سَبِيلِ الشغَب.
المبني كان مؤمناً بمحبةِ الناسِ له، محفوظاً بحرصِهم عليه، سعيداً بمكانتِه في قلوبِهم.
نعم ماسبيرو كان سعيداً ، جميلاً، شامخاً قَبْلَ أن تُشنَ عليه الحَرْب وتُدَبَر لَهُ الخُطط للقضاءِ عليه!
ما يَحْدُثُ الْيَوْمَ من محاولاتِ القضاءِ علي ماسبيرو مُفزِعاً ! ليسَ لأبناءِ ماسبيرو فقط، المتمثلين في الرعيلِ الأولِ الذي أَسّسَ عِلْمَ الأعلامِ قبلَ إنشاءِ كليةٍ مُتخصصةٍ لتدريسِ علومِه ، حيثُ كان ماسبيرو هو المدرسةَ والجامعةَ ، المُعلِمَ و المفرخةَ التي أخرجت أعلامَ الإعلامِ العربي.
ولا لأبناءِ جيلِ الوَسَط الذين عاصروا إطلاق القمر الصناعي (Nile Sat) و وضعوا بذرة الفضائياتِ العربيةِ والمِصريةِ الذي أصبَح يشارُ لها بالبنانِ فيما بعد.
ولا لآخر أجيالِه الموصومين بتهمِةِ أنهم أبناءُ العاملين ! ولن أنفي ذَلِك الأدعاء فهو لا يمثّل إلا إتهاماً لمنْ لم يكنُ علي قَدرِ المسؤولية، وَهُمْ ليسوا حكراً علي طُرقاتِ ماسبيرو إنما هُم كُثَر في الجِهاز الأداري للدولةِ بجميعِ مفاصِلِه ، والسيء منهُم هو سيّء في كل المجالاتِ وعالة علي المجتمع في جميعِ الأحوال ، أما المتفوقين فهم إضافة للمجالِ الموجودين فيه ، وبالتالي هم مكسب يَجِبُ الأعتراف به.
وهذا ليسَ دفاعاً عَن مبدأِ عدمِ تكافؤ الفُرص فتِلك قِصةٍ أخري قد تنفذ أعمارنا قَبْلَ أن ننتهي من الفَصِلِ فيها، والوصول لحكمٍ عادلٍ بها!
وَلَكِن رجاءً فلتتذكروا أن هذا الجيل دفعَ الثمنَ غالياً ، عاني التهميش وتحمل قسوة قياداتَ المبني ذوي الأيدي المُرتعشةِ خوفاً علي كراسي زائلة، وطمعاً في مناصبِ فانية، وأدَوا في سبيلِها المواهِب ، وأطلقوا وابلاً من رَصاصِ البيروقراطية علي أحلامٍ كانت كفيلة بإعادة المبني لمصافِ التلفزيوناتِ الرائدة مثل آلبي بي سي والسي أن أن وغيرهم.
الفزَعُ أصاب أيضاً كل مِنَ عاش فرحةِ دخول التلفزيون لمنزلهِ أيام ما كان البثُ باللونين الأبيض والأسود ، وكان التلفاز مُزين ببكرةٍ لمْ يتتضِحْ في ذَلِك الوقت الهَدَف منها فكل ما يعرض هو القناة الأولي !
وأنتقَل هذا القلقُ لجيلِ تربي علي يدِ ماما سامية وماما نجوي ، وشكّلا (بقلُظ )و ( كُرنبة ) جزءاً كبيراً من شخصيتِه!
تَعْلَم الكثير من البرلمانِ الصغير، خَبَر الحياة في الخامسة ِ من مساءِ كل جمعة فيما تقدمه العظيمة فايزة واصف من خبراتٍ في ( حياتي )، وتابَع جلساتِ (مجلس الشعب ) بإخلاصٍ في السابعةِ من مساءِ كل يومٍ أثناء إنتظارُه مسلسل الثامنةِ المُقَدَّس !
جيلٌ كان يميزُ يومَه بما يُعرَض علي شاشةِ التلفزيون مساءً فالسبت مخصصاً (لنادي السينما) وما كان يتطلبَهُ من إعمال ٍ للعقلِ، والأحد هو يَوم الإثارة والتشويق في (حدث بالفِعل) ، أما الأثنين فهو يوم الدلع والسهرة الفنية المُحببة (تاكسي السهرة)، ويمزقنا الأنتظار ليومِ الأربعاء لنشاهد( ماكجيفر وملفات إكس) ومن ينسي (أماني وأغاني )و (ذهب )طارق علام وفوازير نيللي وشيريهان وروائع الدراما التي أنتجها إتحاد الإذاعة والتلفزيون ، ألا تصيبَك الذكري بالهلع ولا يُشعِرك الحنين بالألم !
لا أدري لما الإصرار علي أن يكون ماسبيرو العريق ( الفدو العظيم ) لعثراتِ الأعلام ؟ ولمَ التصور بأنّ نسف هذا المعبَد سيخلصُنا مِن شبح إله الإعلامِ الفاسِد؟ وما مدي المنفعة التي ستعود علي المواطِن عندما يحملُ كل قرابين الكراهية لرمزِ الأعلامِ العربي والأب الروحي لِكُل عمالقةِ الأعلام في مِصْر والوطن العربي وأفريقيا؟
لا تفرطوا في القسوةِ علي ماسبيرو ، فلا زالت طياتِه تحمِل رائحة الزمن الجميل، وتأخذنا إلي عَبقِ الجدات وذكريات الأجداد، هذا الشيخ الحكيم يمرَّض لَكِن لا يموت إلا إذا تم قتلُه، وهذا ما تفعلونه به دُونَ مبررٍ واضِحٍ ومفهومٍ ومقبول ، فبعد تجربة الأعلام البديل التي أثبتت فشلها الذريع ألا يدفعكم هذا لإحقاق الحقِ ومداواةِ الأسدِ الجريح ، والأستفادِة من الخبراتِ المُهدرةِ في المكاتِب البالية.
كفوا عَن النغمة النشاذ بأن هيكلةَ المبني مقصورة علي ضبطِ مواعيد الحضورِ وساعاتِ العملِ، فأينَ العمل ؟ وبالرغم من ذَلِك فلا شُغل شاغِل للقياداتِ إلا دفاتِر الحضور والغياب! فلتطمئن قلوبكم ولتسكُت ألسنتكم عن إطلاق شائعات الأستعداءِ والكراهيةِ ضدَ أبناءِ المبني بأنهم يحصلون علي كافةِ مستحقاتِهم بينما هم يتربعون فَوْقَ أسرتِهم في بيوتِهم!
ولا أدري هل إلغاء وزارة الأعلام وأستبدالِها بالهيئة العامة للأعلام ، كان خُطوة مقصود بها تحسين وتطوير منظومة الأعلام، أم إنها وجدت لتصبح الهيئة العامة المعنية “بأعدام” ماسبيرو ! يوماً ما لن يصِح إلا الصحيح، وقريباً سيعود ماسبيرو إلي ما كان عليه زمان.