بقلم رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :مصطفى كامل سيف الدين
البط والفراخ والفطير تزاحم ركاب الدرجة الثالثة.. وجزاءات يومية للموظفين بسبب التأخير وكما يقولون «قبل ما تركب ودع أهلك واقرأ الفاتحة قد لا ترى ذويك مرة أخرى»
لا ابواب ولا شبابيك ولا دورات مياه صالحه للاستخدام الادمى
كان السفر بالقطارات بين المحافظات متعة ولم يكن قطعة من العذاب خاصه فى فصل الشتاء
يعاني الموظفون وطلاب المدارس والجامعات من تردي حالة قطارات الدرجه الثالثه التي أصبحت لا تليق بالمستوي الآدمي فلا دورات مياه صالحة وكثير منها مغلق كما لا يوجد زجاج لحماية الركاب من سخونة الجو في الصيف والأمطار في الشتاء
طلاب.. موظفون.. بائعون.. مجندون.. أمناء شرطة
عشرات الملايين من المهمشين والمسحوقين والغلابة والفقراء من الموظفين والطلاب والبائعين يركبون قطار الغلابة بشكل معتاد ودائم، ورحلتهم اليومية فى البحث عن لقمة العيش، ليس لديهم وسيلة أخرى للسفر سوى القطار «المميز» أو قطار الغلابة كما يطلق عليه البعض، فلا يملكون رفاهية ركوب القطارات المكيفة، يضعون أيديهم على قلوبهم، ما بين تأخير يصل فى أحيان كثيرة لساعتين أو ثلاثة بسبب عطل فى الجرار.
الموظفون فئة من بين عشرات الفئات الأخرى التى تركب القطار بشكل معتاد فى الذهاب إلى أعمالهم أو العودة، لا سبيل أمامهم سوى هذه الوسيلة السهلة والرخيصة، كل ما يريده الفقراء هو وسيلة نقل آمنة ورخيصة.
مشهد وجوه الناس الغلابة يملأ عربات القطار الثمانى التى يتكون منها، مفردات كثيرة يومية وحكايات من طوائف الشعب المصرى تستقله بزحامه وفقرائه وأطفاله وباعته الجوالين الغلابة، أما رجال البزنس أو ما يطلق عليهم «الناس النضيفة» يركبون القطار المكيف، فلا يمكن أن يتأخر لحظة، ومن السهل جدا أن يتم حجز قطارات الغلابة بالساعة والساعتين على ما يعدى قطار الناس «اللى معاها فلوس» وفى أحيان كثيرة يظل القطار «مخزنا» فى أى محطة من المحطات الجانبية حتى يحن عليهم «المحولجى» أو مراقب البرج كما يطلق عليه، ويعطى لسائق القطار أشارة بالسير ويضىء له الإشارة خضراء.
زبائن القطارات الرخيصة معرفون بوجوهم الشقيانة، التى تتكدس بهم أعداد كبيرة، ويتزاحمون على الأبواب وفى الطرقات، ووسط عربات متهالكة انتهت صلاحيتها منذ فترة طويلة، ويعاد تشغليها مرة أخرى، فى ظل شبابيك مغلقة يتم تسكيرها على يدى المواطنين حتى ينعموا بنسمة هواء فى صيف حار خانق داخل عربات القطار، لا تهوية ولا شبابيك مفتوحة، ومع انتهاء فصل الصيف يضطر المواطنون أن يضعوا كراتين على الشبابيك التى تم تكسيرها فى الصيف وهكذا بشكل معتاد، حتى الحمامات الموجودة فى العربات، حالتها سيئة جدا ورائحتها كريهة ولا يمكن استعمالها، بالإضافة إلى عدم وجود أبواب عليها، إنها المعاناة اليومية لملايين من المواطنين ركاب قطارات الغلابة.
حالة من السخرية والتندّر يتناقلها المواطنون عندما يسمعون أن القطار الأزرق يطلقون عليه «المميز» والقطار الأصفر يعنى «المطور»، فلا هو مميز ولا حتى مطور، فمنذ عشرات السنين لم يتم استيراد عربات جديدة ولا حتى جرارات، فلا يمكن أن يسير قطار فى ميعاده فالكل متأخر إلا المكيف منها «بتاع الناس اللى معاها فلوس».
مشاهد قطارات مدهونة باللون الأصفر فى الخطوط الجانبية وتحديدا فى خط «القاهرة ـ المنصورة، وخط بنها ـ الزقازيق» وغيرها من الخطوط الجانبية كلها متهالكة يتم تشغيلها مرة أخرى بعد ترميمها بشكل مؤقت، وفى نهاية المشهد المتكرر يدفع الناس الغلابة حياتهم فى ظل أهمال متفشٍ وفساد يسير على قضبان السكة الحديد فهم الضحايا الدائمون.
نماذج الناس الغلابة وهى تركب يوميا القطار من محطة «مصر» فى رمسيس تشهد بأعينها التفاوت الطبقى المرعب بينهم وبين «اللى معاهم فلوس» وهم ينتظرون قطارهم المكيف، بكل تأكيد ناسنا وأهالينا الغلابة لا يحقدون على هؤلاء، بل يريدون حياة كريمة، ووسيلة مواصلات آمنة يعودون فيها إلى بيوتهم وليس إلى المقابر، هذا هو حلم الغلابة فى رحلتهم اليومية مع قطارات الفقراء، استمرار الحوادث بأشكال كثيرة يجعلنا أمام قتل مع سبق الأصرار والترصد للغلابة فى هذا البلد.
إلي متي يظل ركاب قطارات الدرجة الثالثة خارج حسابات وزير النقل والمسئولين عن مرفق السكك الحديدية.. فمنذ عدة سنوات نفذت هيئة السكك الحديدية عملية تطوير لمعظم المحطات الرئيسية بعواصم المحافظات والمراكز.إلا أن هذه العملية لم تمتد إلي محطات الغلابة القري علي الرغم أنها تخدم الآلاف من البسطاء التي دائما ما تعلن الدولة الاهتمام بهم, ولكن دون أن يترجم ذلك علي أرض الواقع!
عدد المشاهدات: 2٬768