حنان مفيد فوزي…. تكتب «كلنا كده عايزين صورة سلفيش مع بعضينا»
يا معشر الجالسين على الكنب فى الداخل والخارج، أزُف إليكم نبأ ليس عاجلاً وإنما واقعاً مريراً مخجلاً ربما تدركونه فى قرارة نفوسكم وتتجاهلونه عن عمد، أو أنه قد لا يرتقى لمستوى جذب انتباهكم المنشغل فى مصالح أنوية بحتة، وفى الحالتين أنتم فى غفلة لا شفاء منها ولا رجاء فيها، ألا تشعرون أننا صرنا نعيش بكل خلايانا داخل عالم افتراضى كثرت فيه الأقنعة حتى امتزجت بالملامح، فلا شىء حقيقى، الكل باطل وقبض الريح، المذاق خال من الطزاجة لأنه مجمد، واللون باهت بلا نضارة، لأنه محفوظ، والروائح عطنة لأنها مركبة، والأشكال متضخمة لأنها مُهجنة حتى المشاعر الحية التى تفصل بين الإنسان والجماد صارت رموزاً مُعدّة سلفاً لجميع أنواع ردود الأفعال، سواء بالسلب أو بالإيجاب بحيث يتجلى التعبير عن مكنون النفس أو بالأخص الحالة المزاجية بــ(البوستات)، والمشاركة الوجدانية بــ(الشير)، وتبادل المعلومات والخبرات بإرسال (اللينكات)، والتصويت مع أو ضد بــ(الهاشتاج)، والإعجاب بـ(اللايك)، وبداية التعارف (أد) ونهاية التعارف (بلوك)، واللمة الحلوة فى (جروب)، ده غير أن الشتايم أصبحت أسلوب حياة والمتجه إلى الناحية (الشمال) يلزم الحارة المزنوقة. ما هذا الذى وصلنا إليه من انعدام تفاعل إنسان تحت مظلة تواصل تكنولوجى أفقدنا خواص الآدمية التى خلقنا على فطرتها فصرنا وجوها مفتعلة نلتقط زاوية جانبية للروح مضافا إليها لمسات تعديلية من الفوتوشوب لنظل بقسمات أكثر افتعالاً، مجرد أصابع إلكترونية تحرك مؤشرات صماء نحيا من خلالها، وكأننا على أجهزة تنفس صناعى، نمد فى أعمارنا حسب سعة الباقة التى نمتلكها وأقصى طموحاتنا ألا نعود إلى الخلف وهو المنهج المتعارف عليه عالمياً باسم «الطموح السلبى» أو (طموووح- لس) وهو فِكر عضال غير مهيأ للتطور وبالتالى غير جدير بالتقدم، وأصحاب هذه الوجهة المتصلبة شعورياً أمام الشاشات الزرقاء مصابون بالخمول المتجدد تلقائياً، يتصورون أن الحراك الفكرى والاجتماعى مبدأ غير مدروس وملبد بالغيوم ومحفوف بالمخاطر وأن التشبث بالمطروح فى حدود المسموح هو عين العقل. وفى خضم هذه الانعزالية الاختيارية نجدهم يرتضون الركود ويكتفون بمراقبة أحوال الغير والتربص بهم والتصيد لهم والحكم عليهم شنقاً أو حرقاً أو رمياً بالقباقيب، والضحايا كُثر، صحيح أننا تقدمنا تكنولوجياً وبضغطة زر اخترقنا الحدود الزمانية والمكانية واقتحمنا عوالم ومعالم مختلفة عن أصولنا وجذورنا، لكننا بنفس ذات الضغطة تراجعنا أخلاقياً، بمعنى أننا نجحنا فى مد اطلاعنا على الخارج الذى بكل أسف تسبب فى جزر مشاعرنا فى الداخل.
وأنا هنا لا أبالغ فى الوصف والتفسير كلنا يعلم أننا تغيرنا على مدار عشرين سنة 360000 ألف درجة، لم نعد أبرياء، أنقياء أصفياء كما كنا فى السابق، لقد توحشت حواسنا وتنافرت نفوسنا وتقطعت روابطنا، وانقسمت وحدتنا وافترقنا فى جزر منفية تحت رعاية سباق العصر، وكأن العصر فرض علينا الإقامة الجبرية فى معسكره التقدمى فرادى منزوعى الصلات والوصلات لنظل فى سباق يومى محموم، ليس سعياً للرزق ونوال الرضا وإنما خوضا فى الأعراض وبكل نهم للتشهير وبالطبع من يتنازل عن المشاركة فى السير ضمن هذه القوافل المجردة من الملة هو بالتأكيد خارج نطاق التاريخ الحديث، وبالنيابة عن نفسى وبالأصالة عن روحى أعترف أنى خارج هذا النطاق القاتم.. قلباً وقالباً.. وليكن ما يكون، معلش أصلى غريبة ومش من هنا، أما من هناك أساساً، أما بالنسبة للذين هم داخل النطاق من ساسهم لراسهم فبإذن الله هيقعوا فى شبكة عن قريب، لكن هذا لا يمنع المعجبانى اللى داخل النطاق (مفقود) والحلوانى اللى خارج النطاق (مولود) يضموا على بعض علشان كلنا كده عايزين ناخد صورة سلفيش مع بعضينا ع المرجيحة ولفى بينا يا دنيا.