عباس الطرابيلي…. يكتب حقاً.. هل كانوا فاسدين؟!
وسط عمليات مطاردة رجال عصر مبارك، بالمحاكمات.. والشائعات أيضاً – هناك سؤال يلح على عقلى.. ومن المؤكد يلح على كثيرين غيرى.. السؤال هو: هل كان كل وزراء عصر مبارك من الفاسدين.. والسؤال يمتد ليصل أيضاً إلى كل كبار المسؤولين من سفراء. وعسكريين. ووكلاء ووزارات.. وأيضاً محافظين.. أنا شخصياً لا أرى ذلك!! وهذا السؤال يجر سؤالاً آخر: وهل كان كل وزراء ثورتى يناير ويونيو من الصالحين، أى غير فاسدين؟ لماذا إذن المطاردات؟، ثم السؤال الثالث: وماذا عن المنتفعين حتى فى عصور الثورات، أى الذين يركبون الثورات. ويجلبون الشعوب تحت رايات الشعارات البراقة.. من رجال أعمال أو مسؤولين – درجة ثانية – فى المحليات، أى المحافظات.
ونعود للسؤال الأول: هل كان كل مسؤولى عصر مبارك من الفاسدين.. حتى نحرم الوطن من خبرتهم وعقولهم وإمكانياتهم.. وإذا كان هناك – داخل الوطن – من يرى ذلك، فلماذا تجرى وراءهم الدول الأخرى وكبرى المنظمات الدولية وتلهث وراء خبرتهم؟! وهذا يجرنا إلى حرمان الوطن من خبرات هؤلاء الذين تطاردهم لعنات الجهل فى الداخل.. وتلهث وراءهم جماعات الاستفادة من علمهم.. حقاً: لماذا نحرم الوطن منهم ونرفض توليهم الآن أى مسؤوليات.
حقاً أشجع اللجوء إلى الشباب وهو ما يؤمن به الرئيس السيسى تماماً.. ولكن لماذا الهجوم الجاهل على السابقين.. مثلاً: كل الذين تولوا المسؤولية عقب الثورتين ألم يكونوا من رجال عصر مبارك، حتى وإن قلنا إنهم لم يكونوا من رجال مبارك؟! ربما بل أكيد منهم من غضب عليهم الرئيس حسنى مبارك نفسه، وأبعدهم. بل وتوارى بعضهم وراء جبال النسيان.. ولولا الثورتين لما عادوا إلى صدارة المشهد السياسى فى بلادنا. وفى مقدمة هؤلاء الدكتور كمال الجنزورى. والدكتور عصام شرف. والدكتور حازم الببلاوى.. وطابور طويل من أفضل الكفاءات والقيادات المصرية.. الرائعة.
ومعنى هذا الكلام: هل علينا أن نبحث عن تلك العقول الرائعة، سواء التى وجدت فى المنفى الاختيارى وسيلة للهروب من المطاردة ومن المحاكمات. أو الذين يقبعون فى منازلهم يلعقون جراحهم.. متألمين؟! من هؤلاء مثلاً الدكتور يوسف بطرس غالى «رجل المالية الأكثر شهرة» والدكتور محمود محيى الدين الذى قد يكون فى أفكاره ما ينقذ اقتصادنا.. والدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة، الذى امتدت أعماله إلى أعماق حياتنا.. ولن ننسى هنا الدكتور إسماعيل سلام، وزير الصحة، الذى عالج أوبئة الصحة وأوصل العلاج إلى الريف.. وأنقذ جهاز الإسعاف ونشر فكرة مستشفى اليوم الواحد.. وأعاد الحياة إلى معهد ناصر.. ولن ننسى هنا – أيضاً – المهندس رشيد محمد رشيد، رجل الصناعة، الذى كنا نحلم ببدايات كبيرة على يديه.. بل وأمين أباظة، وزير الزراعة، خبير القطن، الذى كان يملك مفاتيح إحياء زراعة وصناعة وتجارة القطن المصرى الشهير. هؤلاء وغيرهم.. لماذا نتركهم «يجترون» حياتهم فى النوادى، أو فى شوارع الدول الخارجية.. لماذا نفرط فيهم.. هكذا؟!
ونرجو ألا نكون عاطفيين، تحركنا الشعارات. أو نخشى عمليات التشويه المتعمدة التى تغتال الناس.. وهى عمليات منظمة شديدة التنظيم، رغم أن هدفها الأساسى هو «حرمان البلد» من عقولهم.. ومن إمكانياتهم.. ومن أفكارهم الإصلاحية.. وما أكثرها.
والنبى كفاية جهل.. ولا تحققوا المقولة القديمة التى ترسخت – متعمدة – فى سلوكياتنا من أننا شعب تفرقه.. كذا، وتجمعه كذا!! ولا داعى لتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية.
وكل بناة الدول العظام لم يبدأوا من فراغ. بل اعتمدوا على «الكفاءات» الموجودة تحت أيديهم، وليس فقط لحين تكوين الكفاءات الجديدة.. هكذا فعل كل البناة العظام.. صلاح الدين عملها.. ومحمد على باشا فعلها.. وسعد زغلول نفسه لجأ إليها.. بمجرد أن نجح فى ثورة 19 وألف حكومته الأولى.. التى جمع فيها حتى من كان رئيساً له، هو نفسه، مثل محمد سعيد باشا الذى كان رئيساً للحكومة وكان سعد وزيراً تحت رئاسته عام 1910.. بل أيضاً مثل أحمد مظلوم باشا، الذى قبل أن يعمل وزيراً للأوقاف تحت رئاسة سعد، بينما كان هو رئيساً للجمعية التشريعية عام 1914 وكان سعداً وكيلاً لها.. وكذلك محمد توفيق نسيم، وزير المالية.. أليس هذا درساً؟!
** بل إن الثورة الفرنسية نفسها – وهى أم الثورات – استعانت بكثيرين من أقطاب نظام لويس السادس عشر.. وكذلك عبدالناصر – فى الحكومات الأولى لثورة يوليو 1952.. وهكذا. ليس فقط من الدبوماسيين.. ولكن أيضاً من التكنوقراط ورجال القضاء.. ورجال المال والتجارة السابقين بل من رجال الأحزاب القديمة، مثل فتحى رضوان.
** فهل تغير سلوك المصريين، وباتوا خاضعين تماماً لحرب الشائعات وتحطيم الكفاءات العقلية والعملية المصرية.
** ونحن هنا لا نطرح أسماءً.. بل نضرب أمثلة: حتى لا يخسر الوطن إيجابيات العقول المصرية.. ويكفى ما نعانيه الآن من تجربة البرلمان الحالى الذى لا نجد فيه عضواً واحداً يصلح ليقدم استجواباً أو يحاسب الحكومة ويحاكمها.
فكروا فى هذه القضية.. فالهدف هو الاستفادة من كل المصريين.