إيرينى ثابت…. تكتب ليست أنثوية فقط!
يقولون إن الغيرة شعور أنثوى.. وأن البنات والسيدات هن اللواتى يتسمن بهذه الصفة السلبية.. ولأننا نعيش فى عالم باترياركى “يترجمونها: ذكورى”، فحتى السيدات والبنات صرن يرددن تلك المقولة الخاطئة: “الغيرة صفة أنثوية”..
فى واقع الأمر تعتبر الغيرة شعور إنسانى يتصف به البعض من الرجال كما النساء، ويبتعد عن وصف آخرين من الرجال والنساء أيضا.. وهى صفة غالبا ما لا يتصف بها هؤلاء الذين يتمتعون بثقة عالية فى أنفسهم.. ومن يعتقدون أنهم فى شكلهم وفى جوهرهم متميزون.. وهى تبعد كثيرا عن كل من يعرف الرضا التام والاقتناع بما جُبل عليه وبما استطاع أن يصل إليه فى الحياة..
وبنظرة أكثر قربا نجد للغيرة وجهين معروفين يطلق عليهما الناس: الغيرة من شخص ما، والغيرة على شخص ما.. والنوع الأول هو نوع عام تجد أن صاحبه ينظر للآخرين ويقارن بين أحوالهم وأشكالهم وظروفهم من ناحية وأوضاعه هو من ناحية أخرى!! وقد رأيت رجالا يتنافسون مع غيرهم فى عنف شديد وفى غيرة مرّة يزيد من مراراتها عدم لجوء الرجال للتحدث عن مشاعرهم على عكس البنات..
فقد تتحدث البنت بسخرية أو بمرارة عن غيرتها من صديقة أو جارة أو زميلة أو قريبة.. وقد تشكو علانية غير مبالية بإظهار مشاعر الغيرة، رغم سخافة هذا الأمر.. بل وقد رأينا من تكتب لصديقتها عن غيرتها منها على وسائل التواصل الاجتماعى..
وفى الحالتين: الرجل الذى يكتم مشاعر الغيرة أو الفتاة التى تعبر عنها، تبقى الحقيقة الواضحة أن السبب فى هذه الغيرة هو المقارنات مع الآخر.. وهو الخطأ الأعظم الذى يقع فيه الآباء والأمهات ظنا منهم أن مقارنة ابنهم أو ابنتهم بقرائنهم ستشجع الأطفال على التقدم.. ناسين تماما أن لكل طفل اتجاه وتميز فى حقول ما وإخفاقات فى حقول أخرى.. وبالتالى يعتاد الطفل على النظر إلى غيره من أقرانه.. فيكبر الرجل ليقارن نفسه بزميله الأوسم منه شكلا، أو الأليق منه رياضيا أو الأكبر منه راتبا.. وهكذا البنت أيضا..
أما الحالة الأخرى فهى الغيرة “على” شخص ما.. أو بمعنى أدق: ما يدّعون أنها الغيرة التى ترتبط بالحب.. ويتمادون بمنتهى الجرأة الخاطئة ويقولون أن الحب من دون غيرة ليس حبا.. والحقيقة عكس ذلك تماما.. فالحب الذى تصاحبه الغيرة ليس حبا.. ولنسأل أنفسنا: كيف تنشأ مشاعر الغيرة على من نحب؟ تنشأ حين يتحدث الزوج مثلا مع سيدة أخرى أو مع أمه أو أخته.. وبالمثل إذا تعاملت الزوجة مع زملاء أو أقارب!! وتنشأ عندئذ رغبة لدى هذا الطرف الذى “يغير” بأن يستبقى حبيبه لنفسه، ويبعده عن المجتمع والآخرين.. حتى لو كانوا من نفس الجنس.. زوجات كثيرات يتضايقن من أصدقاء الزوج من الرجال!!
والسبب الحقيقى هو عدم وجود ما يكفى من الثقة فى تلك العلاقات.. وأعنى بالثقة هنا معنيين: الثقة بالنفس، والثقة بالطرف الآخر.. فينبغى على كل طرف منهما أن يعرف قدره ومكانته المتميزة والتى لا يشاركه فيها أحد أبدا عند الطرف الآخر.. ويحترم ويثق بالطرف الآخر فى الوقت ذاته لأن له المكانة نفسها عنده.. وإذا لم يكن الحب المتميز بينهما كفيل بمنح كل منهما تلك الثقة فى النفس وفى الآخر، فأين هو الحب إذن؟
أن تغير من أحد، رجلا كنت أو امرأة، فأنت لا تثق بنفسك، ولا تعرف نفسك، ولم تتعرف بعد على ميزاتك الشخصية.. وأن تغير على مَن تحب فإما أنه لا يبادلك نفس مشاعرك بنفس القوة والالتزام، أو أنك ضعيف الثقة ولا تعرف مكانتك الحقيقية عنده.. من يحب ويقبل نفسه لا يغير من الآخرين، بل يتمنى أن يكونوا جميعا ناجحين مثله لأنه يرى نفسه ناجحا.. ومن يحب شخصا محبة حقيقية حبيبا كان أو زوجا أو حتى صديق، يتمنى أن يحبه الناس جميعا ويرونه مشرقا كما يراه هو لأنه يعرف أنه متميز عند هذا الحبيب ومهما ارتبط بآخرين ستبقى له وحده مكانة لا يشاركه فيها أحد..