مقالات

نهال علام … تكتب ريان

ذهب خيالي لتلك الكِنزة الزرقاء ولم يَعُد، تشبث بتفاصيل مُرهقة ليبحث عن ما يؤرقه، ففي التناسي تعافي، أما هاوية التذكر لا تجتر إلا المآسي، على مدى أيام وأنا أتصنَع النسيان، فتلك الواقعة لم تكن في الحُسبان، يقيني يحدثني بأن بين ما نراه كواقِع وما يحدث في الواقِع إرادة ربانية مليئة بالمعجزات.

لذا لما الانزعاج فالطفل بين قبضتي الرحمات، كنت أرى رحم البئر كرحِم الأم القادِر على تلبية الاحتياجات، ولا مجال للمنطِق فوجودنا من البداية لم يخضع لمنطق، فمن أوجدنا تسعة أشهر في الثلاث ظلمات وجعلنا نستقبل الحياة بالصرخات، قادر إن يجعل من حلق الضيق جنة واسعة المقامات.

لذا على مدى أيام وككل الإنسانية كان البحث الأول في الأخبار اللحظية إجابة لذلك السؤال الذي يتضرع ليتلقى الاستجابة هل خرج ريان؟
لم تشغلني امدادات الأكسجين ولا تفاصيل الماء والزاد، فهذا الصبي لم يكُن في كَبد، لقد كان ضيفاً على الرحمن ولذلك الاعتقاد ألف سبب، فقط مايفطر قلبي ذلك الفراش الخاوي الذي ينتظره وتلك الأم الثكلى التي تحترق شوقاً إليه.

خمسة أيام وكل لحظة تَمُر بمثابة معجزة، فهي تحيي الأمل بالبقاء ولكن تتناقَص فُرص العودة واللقاء.
فالله يقدِر ولا نقدِر ولكن ليس كُل رحم يقدِر، لذا جاء خبر خروجه مفرحاً ورحيله السريع بعدها مُقبضاً، وبين البينين مشاعر إنسانية وحَدَها الدعاء والرجاء والأمل والانتظار، وربما تلك هي الحِكمة أن نُدرك أننا لازلنا نحمِل نفس المُضغة على اختلافنا واختلافاتنا إلا أن القلوب قادرة على توحيد ما فرقته العقول.

وككل أزمة هناك تلك الشرذمة التي تمتهن التجارة بها، فبين المتاجرة الدينية ونظريات المؤامرة السياسية، وسيناريوهات قصة الخروج ولحظات الوجود وكذب الإعلام وتواطئ المسؤولين، عالم حاكَه أعداء المشاعر الطبيعية، ليلوثوا بقعة النور الوحيدة في تلك اللحظات العصيبة بلمساتهم السوداوية.

رحل ريان عن هذا العالم الذي تضغى شروره على خيراته وسروره، ولا إدرى لم تدور في رأسي من بعد ذلك الخبر الأليم، أغنية فيروز أنا وشادي، ومن كلماتها ” اجا وراح الثلج عشرين مرة اجا وراح الثلج وانا صرت اكبر وشادي بعده صغير عم يلعب عالثلج “ستظل صغيراً جميلاً يا ريان تركتنا نحن لنكبر ونعاني ونصارع ونقاتل وأنت سترانا وتضحك وتمرح ونحن على الدرب نستكمل حفر الآبار التي نلقي أنفسنا بها فنظل حبيسي الوحدة والخوف والقلق، ولا تتعجب يا صديقي فتلك الآبار السحيقة لا تشبه بئرك الرحيمة فهي صنيعتنا.

بعث الله رسالته، وفي نهاية الأمر استرد وديعته، وبين الأمرين لانملك إلا التسليم بإرادة الرحمن الرحيم، وليربط على قلب أمه وليكن لها مُعيناً على الفراق، فالضنا غالي يا إلهي فساعدها، وكما ترزقنا بلا حول مِنا ولا قوة، كُن لنا أنت الملجأ والملاذ يا صاحب القدرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى