مقالات

نهال علام …. تكتب الحوت الأهبل

بقلم الإعلامية والكاتبة نهال علام نائب رئيس التحرير

عشرون عاماً و قد يزيدوا قليلاً ، هو العمر الذي تتجلي فيه فرحة سنين العُمر، قمة الفتية والشباب والجنوح ، العقل في أوجِ عافيته والصحة في إكتمال عنفوانها ، والطريق في مفترقِه ، فالأختيارات الوشيكة ستسدَدَ فواتيرها علي مدي سنواتٍ طويلة.

مرحلة عمرية حُلوة المذاق حارة الأفكار، وخاصة عندما يصاحب ذلك الشباب ذكاءً يتوج بالعِلم ! ثالوث القوة الذي يحتاج إليه كل من يقرر أن يجتاح العالم .
وَلَكِن يظل القرار الأصعب كيف ستبسط سيطرتك وتُنفق ربيع أيامك ؟ في الخير أم في الشر ؟ ستقدم للعالم “الحوت الأزرق ” أم “الحوت صديقي ” ؟

في أواخر تسعينات القرن الماضي أهتدت البشرية إلي أختراع أهدته لروح العالِم ” جراهام بيل ” وهو التليفون المحمول ، الذي يُعَد تطوراً لعدة أبتكارات شهدها العالم في المائةِ سنة المنصرمة، ولكن تظل ركيزته الأساسية هي فكرة التليفون الذي توصل إليها “بيل” .

ولا أدري هل أسعد هذا الإهداء الرجل النبيل المهندس “بيل ” الحكيم أم أرَّق مضجعه و أزعَج روحه؟ وخاصة وهو الذي رفض أن يوضع علي مكتبه تليفون ووصفه بأنه ( مقتحم ومُعطِل ) !

ظلت السنوات الأولي في حياة التليفون المحمول هادئة تتشابه مع حياة كل زائر للحياة في سنواته الأولي ، بعيدة عن أعاصير التقلبات التكنولوجية العاصفة التي عرفناها بعد ذلك، ربما يُعزي هذا إلي سببين ، أولهما هو إقناع الناس أولاً بأهميته خاصةً مع إرتفاع ثمنه النسبي في ذلك الوقت ، و عدم شعور الناس بحاجة تُضاهي حاجتهم للتليفون الأرضي ، الذي كان إقتنائه في البيوت يحمل دلالات إجتماعية تتعلق بمستوي الأسرة المادي و نفوذها المجتمعي !
السبب الثاني هو محدودية المعرفة للأفراد بكيفية إستعمال تطبيقات الكمبيوتر العادية ،فمفاجئتهم بهذا الكم المُربِك مِن التكنولوجيا كانت ستؤثِر بالسلبِ قطعاً علي تقبلهم لهذا الإختراع الدخيل .

بزخت شمس الألفية الثانية ، وكان بزوخها بمثابة أمراً لأطلاق سراح الجنون والفنون في تطبيقات المحمول حتي وإن وصلت حَد المجون!
من الطفولة للمراهقة مرحلة عصيبة حتي وإن كان هذا المراهق هو تِلْك الحديدة الناطقة ، ولَمَ لا تستغِل تعلق البشرية وأرتباطهم بها حتي أن أعمالهم وحياتهم بل ومشاعرهم أرتبطت بمدي جاهِزية أجهزتِهم وكفاية الشحن في بطاريتها!

تمر الأيام ولا يكاد ينقضي أحدها إلا وهو يحمل الجديد لعالم المحمول الغريب، لو كنّا كبشر تشبهنا به وأتبّعنا مذهبه في التطوير اللحظي لكان هذا العصر الماسي للكون، ولكننا لاهين خلف التطبيقات التافهة فأصبحنا في عصرِ المآسي!

بلغ المحمول سن الرُشد ويبدو أنه ممزق بين خيارات الأبيض والأسود ، ولَم تنجح الخيارات الرمادية التي تمثلت فيما يخص نواحي التواصل الأجتماعي في إنقاذه من حيرته !
فبدا رقيقاً عندما قدم تطبيقات للرعاية الصحية وحكيماً بهديته للمسلمين في شتي بقاع الأرض بتطبيق إتجاه القبلة ومواقيت الصلاة، و ظهر عابثاً مع الآلاف من تطبيقات الألعاب المستهلكة للوقت والقارضة للقدرات .

وكانت لُعبة تِلو لُعبة ، ولكن لأن الله يرزقنا اللطف مع الأبتلاء فكانت السمة الأهم لتلك الألعاب أنها شديدة الوهج في اللحظات الأولي ،سريعة الملل في اللحظات الثانية.
لم تستسلم تلك الحديدة لطبيعة النفس الزهوقة ، وكشرت عن أنيابها وسخرت ذكائها ، لأستدعاء المنصرفين ببعض الألعاب مثل ( كاندي كراش ) التي سببت أستئصال أصبع أحد اللاعبين الذي تعلق بها فصار من المدمنين لها في واقعة غريبة وشهيرة بسبب تآكل عظام الأصبع لطول ساعات اللعب !

إلي أن أستيقظ العالم علي صرخات لأمهات وأباء ثكالي فقدوا أبنائهم ،عندما سيطرت روح الشيطان علي أحد المبرمجين الروس ،الذي يناهِز عمره عمر الجهاز المحمول فكان النداء من الشاب بالشر وكانت الأجابة من الجهاز بالقبول.

وكانت النتيجة ظهور الحوت الأزرق ، ليبتلع أرواح مراهقين في عمرِ الزهور ، فالحوت المسالم الذي حافظ علي حياة رسول الله يونس أصبح حوتاً دموياً متعطشاً لدماء أبناء جيل فرقته التكنولوجيا ووحدته مساويئها!

الحوت الأزرق ما هو إلا” حوتاً أهبل ” ، كشف عن الأنياب الزرقاء للتطور ، أنياب كشفت عورات التربية في البيوت، من غيابٍ لوقت طويل عن الأبناء ، والهشاشة النفسية لبعضهم وهي أول الطريق لمهاجمتهم .

“فيليب بوديكين “الشاب الروسي مخترع اللُعبة نجح في تقديم مصيدة لمن يعانون من غياب الأهل والواعز الديني والثقة بالنفس .
أطلق هذا الشاب صافرة إنذار لخطورة غياب الأهل أوقاتاً طويلة عن أبناء لازال عودهم أخضر سهل قصفه إذا لم تقدم لهم الحماية ضد الرياح العنيفة التي يصعُب التوقع بهبوبها من أي باب ، لذا يجب أن يكون الأهالي دوماً مستنفرين مستيقظين عند أبواب عقول أبنائهم لمتابعة من يطرق عليها.

وكما كانت دعوة سيدنا يونس التي كتبت له النجاة في بطن الحوت (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ندعو الله بها لتنجي أبنائنا من الأيام الزرقاء والقلوب السوداء ، فالحوت برئ من تلك الدماء المسفوكة كبراءة الذئب من دمِ إبن يعقوب ، و من يدري لعل الأيام القادمة ستشهد لعبة الذئب الأبيض يقدمها أحد المبرمجين لأستكمال ما بدأه الحوت في غفلة من الأهالي ، فكونوا علي إستعداد لشطحات الموتورين .

وبالرغم من أن الثلاثة شهور الأولي في هذا العام شهدت تحميل ٢٧،٥ مليار تطبيق علي أجهزة المحمول في العالم، إلا أن يقيني أن السنوات القادمة ستحمل هدؤاً ملحوظاً علي تطبيقات الموبايل مع ظهور الشعيرات البيضاء في مفرقِه ، إلا أننا يجب ألا نغفل أزمة منتصف العُمر ! و لا نستهين بقدرات الشر الَّذِي لن ينتهي ليومِ الدين فربما سنشهد إختراعات أخري ملوثة ، تحمل ما تبقي من حيوانات ملونة.

بوابة الشباب نيوز

جاء إطلاق بوابة الشباب نيوز على الانترنت ليكون وسيلة لمعرفة الاخبار اول باول، ويمثل إضافة قوية في الفضاء الالكتروني، وجاءت انطلاقة الموقع من مصر من قلب الاحداث ليهتم بالثورات العربية والمشاكل السياسية ويغطى الفعاليات الاقتصادية والرياضية ويواكب علوم التكنولوجيا ويغطي اخبار المرآة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى