فى كتاب جلال أمين «ماذا جرى للمصريين؟» يرصد أنماطاً من السلوك مخالفة للسياق العام، الذى كان فكرى أباظة فى خمسينيات القرن يطلق عليها «مناظر مؤذية». وكان سيد عويس فى أبحاثه يربط بين الاقتصاد وسلوكيات الناس المتدنية وظل يحذرنا د. يحيى الرخاوى من مخاطر «أخلاق الزحام»، وجاء أحمد خليفة وربط بين الجريمة وأخلاق الزحام، لكن أحداً من علماء الاجتماع لم يحلل بعد هاجس الجرائم الوحشية التى يرتكبها الأزواج حين يقتلون الزوجة والأطفال دفعة واحدة!! وتتكرر الجريمة وننفعل حبتين ونمصمص الشفاة، حتى كدنا نتعود على مثل هذه الوحشية! وفى زمن الإخوان كانوا يلقون بالأطفال والصبايا من فوق الأسطح بدم بارد. للأسف نحن نعيش بذاكرة مثقوبة ولدينا جهابذة فى علم النفس وعلم الاجتماع ولكنهم يعملون فرادى، ربما لأن الصوت الإنسانى غائب على مائدة صاحب القرار. لا تشخيص «جماعى» للتدنى فى السلوك فى المجتمع رغم عدد ضخم من المشتغلين بعلوم النفس والجريمة ينتشرون فى جامعاتنا ومعاهدنا، لكن ليس لنا معمل أو معامل تحليلية للسلوكيات المتدنية توازى استديوهات التحليل الكروى فى مصر!
والكورة – بالمناسبة – تبلع كل خطايا المجتمع، فالرقابة الإدارية تقبض كل نهار وكل طلعة شمس على مرتشين فى مواقع مرموقة، تشير الصحف لهم، ولكنى لم أقرأ تحليلاً ضافياً لأسباب الرشوة المتصاعد فى المجتمع – إلا إذا استضيف عالم اجتماع فى برنامج تليفزيونى ويندر وجود محاور فاهم اجتماع ليدير الحوار، وترفض النيابة مثول المتهم أمام عدسات التليفزيون. ويأتى المذيع بمطربة أو بشخص فكاهى ويملأ الوقت والحقيقة أن الإعلام بصورته يسرق الوقت، ونأتى لمواقع التواصل التى تعلن – كذباً – وفاة المشاهير بغير سند أو شهادة طبيب وتصل المواقع فى الشتائم إلى الانحطاط المبين دون رقيب وبلا حساب ويصل التشويه الاجتماعى للأبرياء حداً مقلقاً دون رقيب أو حساب. وما دامت الشمس بتطلع وساندويتش الفول موجود والدورى شغال وأم كلثوم تغنى يا صباح الخير ياللى معانا، فالنكد مرفوض والكتلة السكانية فى المجتمع راضية، فلا داعى للقلق والبحث الميدانى ورأى العلم فى سلوكيات فى النصب والاحتراف والجريمة غير مسبوقة والأحرى تجاهل ما يجرى فالمصرى فهلوى!
المصرى فهلوى ويلعب بالبيضة والحجر! والفهلوى – كما عرفه سيد عويس – «شطارة دون جدارة» والنشال أذكى من فريسته، ورغم أن جهاز الأمن فى مصر يتحمل جهوداً هائلة بين ضرب الإرهاب الغادر وحماية الناس والمنشآت وعينه أيضاً على الجريمة ولهذا صارت العدسات المزروعة فى الشوارع والمحال العامة ضرورة قصوى ويحاول أمن مصر التوفيق بين مهامه وإن رأى بعض الناس شيئاً من القصور فى الأمن الداخلى، لكنى أرى صحوة الأمن، بعد انكساره، كبيرة وفعالة.
أخلاقنا تغيرت ويجدر بنا أن نسأل بعضنا إزى «أخلاقك» بدلاً من إزى الصحة، لقد دأب الناس وللدقة بعض الناس على سب وشتيمة أى رئيس، رئيس عمل، رئيس شركة، رئيس عمال، رئيس جهاز، كانوا – وهو فى المنصب، ينافقونه فوق التصور، وبعد أن مضى ولا قطرة من الوفاء، شتائم وحكايات وسيناريوهات نصفها أكاذيب هل هى طبيعة المصريين؟ وإذا كانت هذه طبيعتهم صارت وباءً اجتماعياً، اليوم يحيا وغداً يسقط! اليوم كامل الأوصاف وغداً ناقص الأوصاف، وأسأل: هل نحن شعب منافق؟! هل أنا شعب يصفق لمن يحكمه خوفاً؟! من نحن بالضبط؟ هل لنا كتالوج؟ إن فى بلدنا إعلاما يربى، وصادق من وصف التليفزيون بأنه «الأب الثانى» ولكن هل يقوم الأب الثانى بدوره؟ الإجابة: لا. على الشاشات شيوخ أفاضل يحثون على الفضائل، ولكن هل تصل الرسالة إلى المتلقين؟ الإجابة: لا.
ما أسباب هذا العوار فى الحوار؟
١- لا يصل الدعم الاجتماعى والمعنوى إلى.. مستحقيه!
٢- التكالب المحموم على الرزق فى مجتمع موارده محدودة وغلاؤه طاحن!
٣- ثقافة الزحام لا ينتبه لها المخططون للمدن وصلتها بالجريمة.
٤- لا محتوى محترما فى وجبات الشاشات للناس فأضحلتهم.
٥- قلة شخصيات قادرة على إقناع الكتل السكانية «السكان نمطا».
٦- انشغال أساتذة علم النفس الكبار بمستشفياتهم الفيحاء.
٧- انعدام البحوث الاجتماعية المواتية للظواهر الحادثة.
٨- يجب أن تتحول الإذاعة من الهلس إلى شىء من الجدية.
٩- عودة المجلس الاستشارى بقيادة د. أحمد عكاشة للعمل بعد غياب.
١٠- التقليل من طغيان الكورة على الحياة إلا إذا كانت مباريات الدورى «توظف سياسياً» بالإغراق فى متاهاتها.
١١- تعظيم قيمة الفضائل فى المجتمع بالتكريم على أعلى مستوى.
١٢- تعميم النشاط الفنى فى المدارس يهذب المشاعر وحبذا فى الجامعة الأزهرية.. إن السعودية تتغير..
«وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم.. فأقم عليهم مأتماً وعويلاً».
أحمد شوقى
عدد المشاهدات: 844