عباس الطرابيلي…. يكتب عجز الحكومة.. وصبر الناس

تذكرت ذلك وأنا جالس فى قاعة الاجتماعات بوزارة التخطيط وعلى يمينى الدكتورة هالة حلمى السعيد، الوزيرة بنت الوزير.. حفيدة الوزير ومعنا كوكبة من كبار مسؤولى الوزارة الشباب سناً وفكراً.. وأسلوباً.. وكوكبة من الدبلوماسيين وكبار الإعلاميين.. ذهبنا لنستمع إلى «حلم مصر الجديدة» الذى قدمته لنا الوزيرة.. ولكنها فاجأتنا أنها تريد أن تستمع إلينا.. أكثر مما نستمع إليها.. وهذا أسلوب جديد علينا وضع أسسه الرئيس السيسى منذ فكر فى المؤتمرات الشهرية للشباب، بينما كنا زمان نجلس إلى الوزراء، نستمع.. ولا نكاد نتكلم.. كنا فقط نطبق قاعدة الحكم أيامها: اكتب ما يملى عليك.

هذه المرة كانت الوزيرة تريد أن تستمع أكثر مما تتكلم.. رغم أن عمرها بالوزارة مازال يقاس بالأسابيع.. لكن المؤكد أنها جاءت بفكر جديد، وأسلوب جديد، ربما كشفت عن بعضه فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، وهو ما لفت إليها أنظار الرئيس السيسى.

كان أول سؤال سجلته فى مفكرتى: ما هو مصير «مصر 2020 – 2030» لأننا تعودنا أن نمسح عمل وفكر المسؤول إذا رحل.. أى أصبحنا نملك ذاكرة السمكة، قصيرة العمر.. ولهذا أصبحنا مشهورين بأنه لا تعيش لنا فكرة.. ولا يستمر لنا مشروع.. ولذلك لا نتقدم. وفوجئت بأن هذا المشروع الذى هو نتاج فكر وجهد الوزير السابق د. أشرف العربى، مازال يتنفس.. هنا فقط تيقنت أننا أيضاً «مازلنا» نتنفس. وأن المشروع قائم ومستمر.. ويا سلام لو مضينا فى تنفيذه.. وتركت الوزيرة مساعديها ليتكلموا معنا ولنا، أكثر مما تكلمت هى. وهذا هو الأسلوب الجديد الذى يجب أن يسود.. بل هو تطبيق لمقولة تاريخية تقول: تكلم.. حتى أراك!! وما أحوجنا الآن إلى تطبيق تلك المقولة.. ولكن الجديد – الثانى – هو كيف نحول هذه الكلمات والأفكار إلى واقع ملموس.. أى تخرج إلى عالم الحقيقة.

هنا تذكرت مقولة أستاذى مصطفى بك أمين الذى قال لنا يوماً – قبل تأميم الصحافة فى مايو 1960 – مجنون من يصعد إلى قمة المقطم.. وهات يا عمل وشغل، بينما لا أحد يعرف ماذا يفعل.. ولا ماذا يخطط فيقول الناس عنه: هذا مجنون.. وعمل أكثر جنوناً. أى أن ما يهمنا هنا هو «الإعلام الإيجابى والعمل الفعلى.. الظاهر أمام الناس.. فى النور».

ولكننى قلت إن الأهم من ذلك كله أمران. الأول: كيف تصل هذه المعلومات والأرقام للناس. والثانى: ما هو المطلوب لكى يقتنع الناس بها.. ويتقبلوها ويستجيبوا.. ويصبروا. وهنا ركزت على «مدى قدرة الناس الآن على الصبر وعلى التحمل»، وكيف أن الرئيس السيسى نفسه طالب الشعب – أكثر من مرة – بالصبر. وأن يعطوه ولو عاماً واحداً حتى يرى الناس إيجابيات سياسية.. وهنا أيضاً ذكرت أن الناس تقول الآن وبالفم المليان «عيشنى النهارده.. وموتنى بكرة»، وشرحت: إن المطلوب هو عدم تحميل الجيل الحالى وحده أعباء «كل» هذا الإصلاح. وبما أن هذه الأخطاء جاءت نتيجة تراكمات سنوات طويلة.. فإن الحق هو توزيع أعباء الإصلاح على مدد مساوية.. لأن الناس فى الوقت الذى يتوقعون فيه إيجابيات ثورتين متتاليتين لم يتوقعوا أبداً أن يتحملوا وحدهم أعباء هذا الإصلاح.. ثم قلت: لتبدأ الحكومة بنفسها. أى تقدم القدوة على التقشف بخفض حجم الإنفاق الحكومى بأى ثمن.. وسريعاً. ثم تساءلت: لماذا تعجز الحكومة عن اتخاذ قرار بخفض ما نستورده حتى نعيد التوازن للميزان التجارى.. وهنا للحقيقة قالت الدكتورة هالة السعيد: المشكلة أن نسبة كبيرة مما نقوم الآن باستيراده به بنسبة كبيرة من المكونات المستوردة.. وليس من الإنتاج المصرى المحلى الخالص!! وقلت – وهذا الكلام أعجب به الدبلوماسى الأكثر ثقافة وكاريزمية الدكتور مصطفى الفقى وكان يجلس على يسارى.. رغم أنه ليس «يسارى» الفكر – قلت إننا لو طبقنا ما سبق أن طبقه جمال عبدالناصر بمنع استيراد الكثير من السلع.. لتحقق لنا الكثير من الإيجابيات.

■ ■ وقلت أيضاً: ثقوا أنه من الخطأ الآن إجراء أى انتخابات برلمانية أو رئاسية أو محلية.. لأن النتائج سوف تكون صادمة.. وهنا تذكرت ما قالته الدكتورة هالة السعيد عن وجود عدم ثقة بين المواطنين والحكومة.. وتلك حقيقة.

■ ■ ولكن كيف نقلل من احتكاك المواطن بالموظف.. حتى نقلل من حجم الفساد.. وتلك النقطة هى أهم ما تفكر فيه الوزيرة الآن.

■ ■ وكنت سعيداً بما سمعته عن أهمية وجود قاعدة بيانات حقيقية، لأن ذلك هو البداية السليمة لأى مخطط للإصلاح.

ولكن من يضمن صبر الناس.. أمام عجز الحكومة عن ترشيد نفقاتها؟.