مقالات

د.رضا عبدالسلام …. يكتب للتاريخ: شهادتي في الفن وأهله!!

بقلم د رضا عبدالسلام

الانسان المعتدل الوسطي لا يعرف التطرّف له طريقا…فهو لا يسلم عقله لأحد ولا يرتمي في أحضان احد، ولا يبغض شيئا على الإطلاق الا اذا حرمه الله صراحة…هذا النوع من البشر انسان متصالح مع نفسه، ومع من حوله، ومع الله قبل كل شيء.

من هذه الارضيّة وهذا المنطلق، أؤكد أنني اتابع التلفاز واستمع الى الأغاني والموسيقى، التي لا تحرك بداخلي غريزة، ولكنها تشعرني بالسعادة او الهدوء النفسي لا اكثر.

اذا الفن، قد يكون ساعد لبناء الاوطان والمواطنين، وقد يكون معول هدم للأوطان وللقيم والثوابت…هذا هو كلام العقل من وجهة نظري…

فالرسالة الإعلامية والفنية اكثر تأثيرا، وتصل سريعا للمتلقي، مقارنة برسالة رجل الدين او المعلم، ولكن العبرة دائما بمحتوى وطبيعة ومقاصد تلك الرسالة!!

وبناء عليه، وإذا أسقطنا الكلام والقواعد التي أشرنا اليها أعلاه على الفن وأهله في مصر، ومنذ ان عرفت مصر الفن في مطلع القرن الماضي (1900) وحتى تاريخه، وبإنصاف تام؛

هل أسهم الفن وأهل الفن في الأخذ بيد الوطن للأمام، وساهم في الحفاظ على قيم وثوابت المجتمع؟ أم ان الفن وأهل الفن (مِن ممثلين ومطربين وراقصين وأدباء ورسامين…الخ) كان معول هدم لهذا الوطن ولثوابته؟!

الموضوعية تقتضي مني ان اقول -وهذه شهادة للتاريخ نسأل عنها أمام الله وأمام الأجيال القادمة- هي أنه على مدار ال 100 عام من عمر الفن (أفلام وأغاني ومسلسلات ورقصات وقصائد ولوحات…) شاهدنا وسمعنا أعمالا في قمة الرقي، حيث كانت أعمالا هادفة، أسهمت في تعميق القيم من أمثال فيلم الارض، او مسلسل يوميات ونيس او الأغاني الوطنية الرهيبة، التي شحذت الهمم، خلال حروبنا مع العدو الصهيوني…الخ.

لا يمكنني ان أسود الصورة تماما، لأنه بالفعل عايشنا أعمالا ستبقى حاضرة في الذاكرة برقيها وعظمتها.

ولكن الأمانة تقتضي مني القول أيضا بان تلك الاعمال المحترمة، من مسلسلات وأفلام وأغان…لا تشكل اكثر من 10٪؜ فقط من اجمالي ما قدمه الفن واهله على مدار القرن الماضي!!!

للاسف وللاسف الشديد أستطيع ان اجزم بانه بوجه عام -وكقاعدة- كان الفن وأهل الفن معول هدم لهذا الوطن ولثوابته وعاداته وموروثاته العظيمة، التي تناقلتها الأجيال على مدار تاريخ هذا البلد العظيم.

أستطيع ان أجزم بان اغلب ما قدمه الفن واهله كان هدفه تغييب هذه الأمة وطمس هويتها ، وتغييبها وتجريف ووأد مكنونها العلمي والثقافي والحضاري.

لا يمكن ان يكون هذا الامر قد تم بطريقة عبثية، أو عشوائية بل كان هذا أمرا منظما ومخططا له جيدا، والادلة على ذلك كثيرة جدا في الاعمال الفنية من أفلام ومسلسلات وأغان.

راجع كيف قدم الفن المعلم وكيف تعامل معه، فالمعلم في المسلسلات والافلام ليس أكثر من أراجوز، لنصحك عليه ونحتقره ونفقده هيبته، واكبر واخطر دليل على ذلك مدرسة المشاغبين…نعم ضحكنا كثيرا، ولكننا في قرارة أنفسنا نعترف بان هذا هدم للمعلم والمدرسة ومن ثم التعليم…فكان الحصاد شعبا يغط في الجهل والسطحية.

رجل الدين الأزهري والشيخ مأذون، ليذكر لي احد نموذج واحد محترم قدمه اهل الفن لرجل الدين، وبالتالي بدلا من ان يقدم الفن وأهل الفن النموذج الوسطي للأمام ورجل الدين قدم لنا اراجوزات لنفقدهم هيبتهم في نفوس الناس…وبالتالي ابعاد هذه الأمة شيئا فشيئا عن رموزها الدينية المعتدلة وفِي نفس الوقت تغذية الاتجاهات المتطرفه…أليس كذلك؟!

حتى بالنسبة للقيم والممارسات والسلوكيات، وخاصة خلال العقود الأربع او الخمس الماضية، بماذا أضاف اهل الفن لهذا الوطن؟!

للاسف أفلام عديمة الصِّلة بقيم هذه الأمة، لم يكن لها من هدف سوى جمع المال وباي ثمن ولهذا تولى انتاج تلك الاعمال من أفلام وأغاني جَزَّارين وغيرهم!!!…وبمنطق إللي تغلب به…إلعب به!!…فماذا كنّا ننتظر؟! الرقي أم الانحطاط؟!

للاسف الشديد، عكفت الاعمال الفنية خلال العقود الاخيرة على التضخيم من الأوضاع والسلوكيات الاستثنائية والشاذة، حتى صارت بمرور الوقت هي القاعدة في هذا المجتمع، من أمثال الليمبي وأغاني المهرجانات وبلطجية الحارات، الذين تم تجسيدهم في اغلب الاعمال الفنية من عينة الأسطورة وعبده موته ونمبر وان….أتمنى ان اكون مخطيء فيما انتهيت اليه.

الحصاد في قمة المرارة، وهو انهيار المدرسة والمعلم، وسيادة السلوكيات الشاذة وانتشار جرائم لم يكن يعرف بها هذا الوطن على مدار تاريخه، من قتل بين الأرحام وبلطجة ومخدرات وغيرها.

مؤكد أن هناك عوامل اخرى أسهمت فيما وصل اليه هذا الوطن وهذا الشعب خلال العقود الماضية، ولكني – وعن قناعة تامة – أضع الفن وأهل الفن على رأس عوامل هدم ثوابت وموروثات هذا الوطن.

يكفي أن نتابع ما بجري في مهرجان الجونة السينيمائي هذه الأيام، وتلك المشاهد البعيدة كل البعد عن سلوك القاعدة العريضة من أبناء هذه الأمة، والبذخ الشديد الذي نراه منهم في وطن يئن، وشعب يئن أغلبه، تحت وطأة الغلاء والامراض، فهؤلاء للاسف الشديد تحولوا الى شريحة غريبة، منبتة الصِّلة بهذا الوطن، بل عبء عليه.

أتخيل وطننا دون هذه الفئة، التي بات يغلب عليها التسلق والتملق واللهث خلف المال والقصور مهما كان الثمن…مؤكد أننا كنّا سنبقي في أفضل حال!

لقد اختل ميزان وهيكل الوطن، واعتلى الهرم الاجتماعي من هم ليسوا أهلا لذلك، في حين قبع في أسفل الهرم وفِي دركه من كانوا أولى بأن يكونوا على قمته.

في أمة انقلب هرمها الاجتماعي هكذا، ماذا تنتظر؟ هل تنتظر تقدم؟ هل تنتظر قيام مدرسة ومعلم ومستشفى ومسجد….الخ؟! لا والله…وهذا الكلام نقوله للتاريخ.

اذا، خلاصة القول، ورغم إيماني باهمية ورسالة الفن في المجتمع الا انني أؤكد وبما لا يدع مجالا لاي شك بان الفن وأهل الفن تحولوا بمرور الوقت من ساعد بناء الى معول هدم لكل ماهو قيم وعظيم في هذا الوطن…

ولهذا لم استغرب رؤية مخرجة، ليس لها من دور سوى التحريض على الفجور، تقول وعلى الملاء “وماله الشيطان؟! الشيطان جميل بيشجعنا نعمل الحاجات اللي نفسنا فيها!!!

وبناء عليه، وبعد هذه التجربة المريرة مع الفن وأهله على مدار قرن كامل، وبعد أن تأكد لنا أنه يغلب على رسالتهم الهدم، ألا ينبغي أن تستيقظ الضمائر، وأن تنتفض الدولة من ثباتها؟! لماذا بقيت الدولة في وضع الجثة الهامدة؟!

اذا لم يوكل أمر صيانة ثوابت الوطن وقيمه للدولة ومؤسساتها فلمن يوكل؟! للجزارين؟! لسواقط المجتمع وبقاياه؟!

الدولة وحدها المسئول والمعني بهذا الامر، فهل تستيقظ الدولة من ثباتها لتضع كل شيء في نصابه؟! ولتعيد ضبط هذا الهرم الاجتماعي المقلوب؟! لو حدث هذا سنضمن عودة لمصر بكل ما يحمله الاسم من معنى، وفِي نفس الوقت سنضمن ضبطا لتوجهات وعمل الفن وأهله بما يخدم هذا الوطن وأهله…دمتم بألف خير.

بوابة الشباب نيوز

جاء إطلاق بوابة الشباب نيوز على الانترنت ليكون وسيلة لمعرفة الاخبار اول باول، ويمثل إضافة قوية في الفضاء الالكتروني، وجاءت انطلاقة الموقع من مصر من قلب الاحداث ليهتم بالثورات العربية والمشاكل السياسية ويغطى الفعاليات الاقتصادية والرياضية ويواكب علوم التكنولوجيا ويغطي اخبار المرآة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى