ترقبت مصر على مدى ثلاثة أيام تقريبًا، منذ إعلان برومو برنامج «انفراد» على قناة الحياة، الاعترافات الخطيرة للإرهابي الوحيد الناجي من معركة الواحات الدامية، والشاهد الوحيد على كل ما دار في المعركة، وبشغف غير مسبوق، تجمعت كل الأسر المصرية حول شاشة قناة الحياة في التاسعة والنصف مساءً.. بالدقيقة.. كي تعرف مصر كلها، كيف مات شهداءها في صحراء الواحات؟ وترى بطلها الناجي من تلك المجزرة التي أدمت القلوب وفزعت لها الإنسانية.
لا شك أن عماد الدين أديب إعلامي مخضرم وله تاريخه الطويل وصولاته وجولاته في برامج التوك شو، من هنا جاءت أهمية الانفراد، إرهابي، وبطل، ومعلومات ذات طابع أمني خطير تذاع لأول مرة عن حادث تحمل له قلوب المصريين آلامًا دامية، ومذيع بثقل عماد الدين أديب، حقًا ستكون حلقة تاريخية، هذا ما وقر في يقيني وصدقه عقلي، وكصحفية، بدأت أتتبع خيوط الحوار المرتقب، وأبحث لدى المصادر الخاصة عن التفاصيل والمعلومات المتوقع بثها في هذا الحوار، في محاولات استباقية لنشر أي معلومات عن هذا الحدث الاستثنائي بالنسبة لأي صحفي، وصال خيالي وجال حول الانفراد المذهل المنتظر يوم الخميس في التاسعة والنصف مساء، حتى حان وقت بث الانفراد.
تمخض الجبل وولد فأرًا، هذا ما شعرت به، خيبة أمل، حوار بارد، وسرد باهت، وبطل انتظرته مصر كلها ولم يضف جديدًا، وهجوم بلا حجة، ومعلومات بايتة، قتلتها الصحف بحثًا، وناقشها خبراء الإسلام السياسي، ورصدتها الأقلام والمقالات المتخصصة في رصد الأفكار السلفية والجهادية والجماعات الإرهابية.
الجديد الوحيد، الذي قدمه «أديب» في هذا الحوار، نموذج يحتذى لكل الجهلاء وأنصاف العقول، ومن لديهم الاستعداد للتطرف، أراد أن يقدم الوجه القبيح للإرهاب، فأساء البوصلة بضحالة حواره وفقر خلفيته الدينية وضعف قدرته على مقارعة الحجة بالحجة، فقد أديب لياقته الذهنية، وبدا الإرهابي، بيقينه الذي وقر بقلبه، الأقوى وثقل ميزانه، في حين خف ميزان المحاور الثقيل في دنيا الإعلام المصري.
كان أولى بأديب أن يحاول الخروج بكل تفاصيل العملية الإرهابية دون أن يناقش الإرهابي في عقيدته التي افتقد أديب لمفرداتها اليقينية، سقط أديب في بئر الجهل بالعقيدة الجهادية، وكان أولى به أن يقرأ كتب المراجعات قبل أن يُجري حوارًا مع إرهابي، ولكن يبدو أنه اعتقد أن الإرهابي غُرّر به لجهله، ولم يكن يدري أن عقيدة الجهاد والإيمان المطلق بدولة الخلافة، يخلق حججًا قوية لدى الإرهابي الذي يقتل أهله وهو مؤمن أنه يُعلي كلمة الله، ربما شفع لأديب الاستديو التحليلي الذي ضم نخبة مختارة من الخبراء في الإسلام السياسي، مثل أحمد بان، وماهر فرغلي، الرئيس التنفيذي لموقع أمان الذي يصدر عن جريدة الدستور، ونبيل نعيم، ورغم التطويل الشديد في هذه الفقرة إلا أنها كانت إضافة حقيقية على مستوى المعلومات التي رصدت التصنيفات الجهادية والفروقات بين الجماعات الإرهابية التي قد تختلط على المشاهد أو المتابع.
عدة تساؤلا تطرح نفسها بعد هذا الانفراد.. أولها.. من صاحب قرار هذا الانفراد؟ هل كان اجتهادًا شخصيًا من الإعلامي المخضرم، والقناة التي تولت رئاستها مؤخرًا زوجة «أديب» الإعلامية هالة سرحان؟ أم توجيهًا أمنيًا بهدف إعادة الثقة في الجهاز الأمني بعد أن اهتزت في الفترة الأخيرة؟
وإذا كانت الإجابة المرجحة هي الثانية، ينطلق من مكمنه سؤال آخر: هل حقق أديب الهدف؟ وهل كانت النتائج إيجابية؟
في تصوري الذي أتحمّل مسؤوليته وحدي، لم تكن النتائج إيجابية على الإطلاق، ولم يكم عماد الدين أديب مُوفقًا في هذا الانفراد، سواء في حوار الإرهابي أو في حوار البطل محمد الحايس، حيث قلّت أهمية البطل وتضاعفت أهمية الإرهابي، وهو ليس عن عمد وإنما عن استهانة بهذا الانفراد الخطير، وتعالٍ من الإعلامي الكبير على الحدث، وهو الخطأ الذي أوقعه في فخ السقوط الإعلامي ونهاية تاريخه الطويل، وأعتقد أن حوارًا عاديًا من واقع التحقيقات التي أجراها الأمن الوطني، مفندًا أحداث معركة الواحات، وتفاصيل انضمامه للجماعات الإرهابية، واعتناقه السلفية الجهادية، مع ترجمة باللهجة المصرية العادية، وإذاعته في أي قناة حتى لو كانت القناة الأولى، كان كافيًا لإعادة الثقة التي تمناها الأمن من هذا الحدث الكبير.
السؤال الأهم: أين هشام عشماوي من كل تلك التفاصيل؟
لقد صَدّر لنا مركز الإعلام الأمني طوال الأسابيع الماضية معلومات مؤكدة أن مرتكب هذه المجزرة ضابط الصاعقة المفصول من القوات المسلحة بعد جنوحه نحو الأفكار المتطرفة، وأنه أسس جماعة المرابطين التي تمركزت في صحراء الواحات واستهدفت قوات الأمن، وأعدت لمجموعة من الاغتيالات في صفوف الجيش والشرطة، أين هذه المعلومات من انفراد عماد الدين أديب؟ لقد ورد ذكر هشام عشماوي على لسان الإرهابي الليبي عبدالرحيم المسماري مرة واحدة، حتى هذه المرة لم يتوقف عندها الإعلامي الكبير كي نعرف ما هي علاقة العشماوي بأحداث الواحات؟- إذا كان له علاقة- إذن هناك شيء ما أراد الأمن أن يصرف عنه الانتباه، أو أن المعلومات التي توفرت له لم تكن دقيقة، وفي الحقيقة كلاهما مثير للدهشة والتساؤل.