رشا الحناوي .. تكتب الأسلوب أهم ..أم الفكرة هي الأساس؟!

بقلم الكاتبة الصحفية : رشا الحناوي
مضى وقت طويل وكأنه دهر ، وأنا لا أملك الفكرة التي قد ينساب لها القلم والسطور بكل تلقائية ، فأخيراً نادتني الورقة وقفز القلم إلى يدي.
كنت من ذي قبل لا أترك القلم إلا بعد أن تتجمد العروق في يدي ، حيث كنت أقضي ساعات في الكتابة ، أفرغ فيها كل مافي نفسي من تعب ، وما يؤرق فكري ووجداني .
في قناعاتي أنه عندما تمتلك الأسلوب والفكرة معاً ، يصبح القلم حينها طائعاً لك لا يعوقه شيء فيظل يكتب ويكتب على ورق أبيض القلب رحب الصدر ، وتنتطلق الأفكار وتتحرر العقول ، فيستجيب قلمك لكل ما في نفسك وتخرج طاقاتك الإبداعية . فتمتلئ الأوراق وتنتظر منك لمستك الأخيرة التي تضيفها عند المراجعة ، لعل خطأ في الإملاء غافلك بسبب السرعة في التفريغ على الورق ، أو لربما سهوت عن علامة ترقيم هنا أو هناك، أو قد تستبدل كلمة بأخرى ، ومن ثم تخرج موضوعك للعلن ، تنشره نابضاً بروح وشكل رسمتهما بخيالك الواسع ، ليحتل مكانة له في قلوب القراء. .
وتبدأ المشكلة الحقيقية عندما تندر الفكرة، فتجد نفسك تائهاً في الفراغ ، تحاول ملاعبة القلم ومداعبة الورق ، وكأنك تفرك في الفانوس السحري ليخرج لك العفريت بفكرة جديدة تكتب عنها ، لكن بلا جدوى ! فتجد أن الفانوس بطل سحره ! والقصور التي كان يبنيها العفريت لك بين أصابعك لا وجود لها حتى في أحلامك ، والأبواب التي كانت تفتح لك في طرفة عين أغلقت في وجه أفكارك ، فينتابك الأرق والقلق ، لأن مخاض الفكر عندك لا يسفر عن مولود .
فتحاورت مع نفسي وسألتها :
ما هو أصعب ما يواجه الكاتب ، انعدام الفكرة أم الأسلوب ؟
فقالت في استغراب : بالطبع الأسلوب.
فسألتها : وما فائدة الأسلوب الجميل إذا كانت الفكرة خاوية ؟ وهل نستطيع أن نكتب كلمة ما لم تكن لدينا الفكرة ! الفكرة هي الروح والأسلوب هو الجسد الذي تسكن فيه ؛ فهل تستقيم الروح بلا جسد .
فردت نفسي قائلة :
-الكتابة ملكة ، ولكن الأسلوب إبداع ، يزداد ثقله بالممارسة ، فإن كان غير موجود بالأساس فلا وجود للكتابة ويجب اعتزالها .
-أما عن الفكرة فهي مشاع بين العقول ، حيث من الممكن أن تستغل أفكار الآخرين لتكون نقطة الانطلاق ، ولكن مع تطوير الفكرة وإضفاء سحر أسلوبك عليها ، لكي تخرج بكتابة ذات ملكية وطابع خاص ، وهذا وارد وجائز في الأدب .
كم من شخص كتب عن فكرة رائعة ، ولكن بأسلوب أفقدها رونقها ، بل أضاع مضمونها . إن الأفكار مشتركة أما الأساليب فهي متجددة ومتعددة بتعدد الأقلام التي تكتب . فيقول المثل الإنجليزي : ” يُعرَف الطير مِن تغريده، والرجلُ مِن كلامه”.
وإلى هنا فانتهى الحوار بيني وبين نفسي ولم نصل إلى وفاق ، بل ظل الحوار ثائر في عقلي ومازلت أتسائل هل يبقى الأسلوب هو الأهم ؟ أم أن الفكرة هي الأساس ؟