أخبار

نص كلمة شيخ الأزهر فى الاحتفال بـ«المولد»

أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن الإرهابيين الذين تجرأوا على الله وقتلوا عباده فى بيته بمسجد الروضة فى بئر العبد ارتكبوا عملًا لا ترتكبه الوحوش على الأرض، حيث سفكوا دماء الأبرياء دون رحمة ولا خجل من الله.

جاء ذلك، خلال كلمته فى الاحتفال الذى أقامته وزارة الأوقاف بقاعة الاحتفالات فى جامعة الأزهر بمناسبة المولد النبوى الشريف، والذى حضره الرئيس عبدالفتاح السيسى، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية.

وفيما يلى نص الكلمة: “بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ.. الحمدُ للهِ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على صاحب هذه الذكرى العطرة سيِّدِنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه الطيبين الطاهرين.. سيادةَ الرئيس عبد الفتاح السيسى، رئيس جمهوريَّةِ مصر العربيةِ – حفظَه الله ورعاه وسدَّد خطاه.. الحفْل الكريم.. السَّلام عَليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.. وبعد:

فإن احتفالنا اليوم بذكرى المولد النبوى الشَّريف هو، فى الحقيقةِ، احتفال بظهور النبوة الخاتَمةِ، والرسالة الإلهية الأخيرة، التى وضعت الإنسانيةَ بأسرها على الطَّريق الصحيح، وأخرجتها من ظُلمات الجهل والضلال، بعد ما أطلقت العقل البشرى مما كان يرسف فيه من قيود العصبية، وسلطان العائلة ونظام القبيلة، وبعد ما حررت ضمـير الإنسان من أغلال الظّلم، ومن طبائع الاستبداد والاستعباد.. ولم يكد يمضى على انتقال صاحب الرسالة الخالدة إلى الرَّفيق الأعلى عشر سـنوات فقط حتى بدأت عروش الطّغاة والجبابِرة والمتألِّهين، تتهاوى وتسقط عَرشًا إثر آخر، وبدأت الإنسانية، ولأّول مرة فى تاريخها، تتنسم عبق الحرية، وتتذّوق طَعم العدَالة، وتعرف معنى المساواة بين الناس وواجب تحرير الإنسان من ظُلم أخيه الإنسان.

يذكر الإمام الطبرى فى تاريخه أن ربعى بن عامر أحدَ قادَة الفتح الإسلامى لما دخل على رستُم، قائد جيش الفُرس ليتفاوَضَ معه قبل بدء الحرب فى معركة القادسيَّة، قال له رستُم: ما جاء بكم؟ قال ربعى: “الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومِن ضيق الدنيا إلى سعتِها”.. كلمات قليلة، تعكس افتِقاد هذا الصحابى الجليل لقيمة الحرية وقيمَة العدل، وتعطُّشه لأن يعيش الناس فى ظلالهما، قبل أن يجىء بهما هذا الدِّين الجديد.

ولنا أن نتأمل عبارته، رضى الله عنه، “من ضيق الدنيا إلى سعتها”، لنُدرك كيف أن حياةَ النَاسِ قَبل هذا الدين كانت تئن تحت وطأة الضيق الذى فرضته عليهم أنظمتهم السياسية، وأنماطُهم الاجتماعية والاقتصادية، وأن هذه الرسالةَ الخاتمة جاءت لتحرر العقل والفكر والوجدان.. وأن سبيلها فى تحرير الإنسان هو، مبدأ الحرية المنضبطُ بمبدأ العدل، والذى يضمن إعطاء كل ذى حق حقَّه، إذ بدون العدل المطلَق تفسد الحرية، وتنقلب إلى فوضى تطيح بكل المبادئ الإنسانية الأخرى.

الحفل الكريم

وإذا كانت نبوة صاحب هذه الذكرى العطرة، صلوات الله وسلامه عليه، ضَرورةً لهِدايةِ البَشَر، فإن تنكب طريقها من أخطَـر ما تمنى به الحضارات والمجتمعات.

ويثبت التاريخ أن سقوط الحضارات كان بأسباب وعوامل ذكَّر بها القرآن الكريم وحذر منها، وهى المسماة بسنن الله فى الكون والإنسان، وأهم هذه الأسباب هو الانحراف عن منهج النبوة فى سياسة الناس والمجتمعات، وأخذِهِم بمكارم الأخلاق التى هى الغاية من بعثة الأنبياء، وبرحمة الخلق كل الخلق، لقد قال صلى الله عليه وسلم: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وقال عليه الصلاة والسلام، “أيها الناس، إنما أنا رحمةٌ مهداة” بعد أن قال عنه الله تعالى: “وما أرسلناك إِلّا رحمةً لِلعالمين”.

وكما يكون الانحراف عن منهج الأنبياء بإنكار الدين ومحاربته، والدعوةِ إلى الإلحادِ والكفر بالله وملائكتِه وكتبه ورسله واليوم الآخر، يكون الانحراف أيضًا، بصورة أشد خطرًا وفتكًا وتخريبًا، بانحراف جماعة شاذَّة، شاء لها خيالهم المريض أن يتصوَّروا أنفسهم أوصياء على الناس، وأنهم وكلاء الله فى الأرض، وهم وحدهم القائمون على فهم الدين وتفسير أحكامه.

هذه الجماعة أو الجماعات الإرهابية، على اختلاف مشاربها وتسمياتها، تنطلق من اعتقادٍ خاطئ يبرأ منه الله ورسوله والمؤمنون، هذا الاعتقاد هو أن من لا يعتقد معتقدهم من المسلمين فهو كافر، وأن الكافر مستباح الدم والمال والعِرض.. وأمثال هذه الفئة الضالة ليست بدعًا فى تاريخ المسلمين، بل وُجدت فى سائر الأديان والعقائد والمذاهب، وما يروج الآن من أن الإرهاب صِناعة إسلامية خالصة، وأنه يمارس قتل غير المسلمين حديث خرافة، يكذبه الواقع الذى يزيف هذه الأراجيف، ويفضح نوايا مروجيها، فكتب التاريخ وكتب السياسة، ملأى بالحديث عن الإرهاب المنسوب إلى الأديان، وإلى المذاهب السياسية والاجتماعية.

ولا نريد أن نسترسل فى الحديث بعيدًا عن المصيبة التى زلزلت قلوب المصريين يوم الجمعة الماضية، بل زلزلت كيان الإنسانية جمعاء فى الغَربِ والشَّرق، فقد كان حادث مسجد الروضة بشعًا شنيعًا، وكان تنفيذه من الوضاعة والخسة والدناءة غير متصور، ولا متوقَع صدوره لا من إنسان ولا من وحش فى الغابات.. وهذا الرصاص الذى حصد أرواح المصلين فى المسجد هو فى المقام الأول، حرب على الله ورسوله، وتحد له، سبحانه، فى عقر بيت من بيوته.

وهؤلاء المجرمون ليسوا بأول من نفَّذ مثل هذه الجرائم فى بيوت الله، فقد قتِل الخليفة الثانى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وهو قائم يصلى فى محراب مسجد رسول الله، وقُتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضى الله عنه، وهو يقرأ القُرآن، وتناثَر دمه على صفحات المصحف الذى كان يقرأ منه، وقَتَل الخوارج، أسلافُ ؤلاء وأجدادهم، عليِّا كرَّم الله وجهه، وهو خارج لصلاةِ الفَجر ينادى فى الناس الصلاة الصلاة.

وفى قِتلة خُلَفَاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهادهم بسلاحِ الغدر والخيانة عـزاء، وأى عزاء، لنا ولأهلينا ممن فقدوا وفَقَدن فلذات الأكباد والعائل والسند.. وإن كنتم، أهلنا فى بئر العبد، قد روِّعتم وفُزِّعتم فاذكروا أن تاريخ هؤلاء الخوارج معروف فى ترويع أصحابِ رسول الله، والإغارةِ عليهم، وتكفيرِهم عَلِيًّا وقتلهم إيَّاه بعد ما خذلوه وانشقّوا عليه.

ونحن، سيادة الرئيس، إذ نعزيكم ونعزى شعبنا الصامد فى شهدائنا الأبرار، نسأل الله تعالى أن يتقبلهم بواسع رحمته ورضوانه ويسكنهم فسيح جناته، ويربطَ على قلوب أهليهم وذويهم، وأن يمنَّ بالشّفاء العاجل على المصابين والجَرحى والمكلومين.

وختام كلمتى

اعتذار كله حياء وخجل واستحياء من مقامك يا سيد الأنبياء والمرسلين، إن تطاول على مقامك الرَّفيع فى ذكراك العطرة طُغمة من الجهلة وقساة القلوب وغلاظ الأكباد، والخارجين على نهجك القويم، والذين لم تزدهم جرائمهم إلا بُعدًا منك ومن دينك وشريعتك، فعُذرًا رسول الله عن هذا التطاول، وهذه الإساءة وسوء الأدب والعبث برسالتك السَّمحة.

وغدًا سيعلم هؤلاء المفسدون فى الأرض المارقون من الدين حين يحرمون شفاعتك يوم القيامة الكريم أى منقلب ينقلبون… شكرًا لحسن استماعكم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بوابة الشباب نيوز

جاء إطلاق بوابة الشباب نيوز على الانترنت ليكون وسيلة لمعرفة الاخبار اول باول، ويمثل إضافة قوية في الفضاء الالكتروني، وجاءت انطلاقة الموقع من مصر من قلب الاحداث ليهتم بالثورات العربية والمشاكل السياسية ويغطى الفعاليات الاقتصادية والرياضية ويواكب علوم التكنولوجيا ويغطي اخبار المرآة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى