سوشيال ميديا

باباوات الكنيسة المصرية.. حماة الوطنية ومحاربو الفتنة الطائفية

من خلال وقائع التاريخ يلمع الدور الوطنى للكنيسة المصرية، التى جعلت من الوطن محور عقيدى يتماس مع الإيمان نفسه، وتحدت بذلك أباطرة روما الذين أرادوا من خلال احتلالهم لمصر فرض معتقداتهم الإيمانية الخاصة.

قادة روحيين صبغوا على المسيحية صبغة مصرية خالصة، منهم الأنبا أنطونيوس الذى صدر الرهبنة القبطية للعالم المسيحى كله، وإثناسيوس البطريرك الـ20 الذى وضع قانون الإيمان للمسيحية فى العالم.

انتصرت الكنيسة ضد المحتلين، وعندما تبنى البابا شنودة الثالث مقولة الزعيم الوطنى مكرم عبيد “إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطنًا يعيش فينا”، فقد ترجم بذلك تاريخ طويل فى كلمات قليلة والبابا شنودة الثالث حارب بالكلمة والفكر الاحتلال الإسرائيلى وذهب للجبهة وتصدى للصهيونية المسيحية وفتح الكنائس ودشن التبرعات لحرب أكتوبر واستحق عن جدارة لقب بابا العرب، وقد انحاز البابا كثيرا لمصر ولمصر فقط فرفض عقد مؤتمر لحماية الأقليات فى قبرص فى تسيعينيات القرن الماضى، ورفض قانون الحماية الأمريكى للمسيحيين.

ومن صفحات تاريخ البطاركة هناك البابا بطرس الجاولى البطريرك “109” الذى رفض تدخل روسيا لحماية الأقليات عندما ادعت روسيا أنها تخاف من نفوذ محمد على الذى قد يمنع تغلغل نفوذها فى الشرق فخططت أن تستعين بالأقليات فى تنفيذ ذلك المخطط الخطير، فبعثت أميرًا من أمرائها ليفاوض بطريرك المسيحيين البابا بطرس الجاولى البطريرك “109” فى وضع الأقليات تحت حماية قيصر روسيا العظيم، فما كان من البابا العظيم إلا أن سأل الأمير سؤالًا أثار دهشته وفى نفس الوقت أثار غيظه: هل قيصركم يحيا للأبد؟ فأجاب الأمير: لا يا سيدى .. القيصر يموت كسائر البشر!! قال البابا: إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت، أما نحن المسيحيون فنعيش تحت حماية ملك لا ولن يموت للأبد!! وهنا خجل الأمير وأنصرف مبهوتًا. وعندما توجه هذا الأمير لمقابلة محمد على باشا سأله: هل أعجبتك مصر وآثار مصر؟ أجاب الأمير: نعم ما أعظم أبى الهول وما أروع الأهرامات، ولكن شيئًا آخر أثار إعجابى أكثر من هذا وذاك، إنه بطريرك المسيحيين ووطنيته، ثم قص على الباشا حديثه مع البابا، فأعجب كل الإعجاب وتوجه بنفسه إلى الدار البطريركية ليقدم تقديره وشكره الخاص إلى البابا فقال له البابا “لا تشكر من قام بواجب عليه نحو بلاده”، فرد عليه محمد على والدموع تنهمر من عينيه: “لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك، فليكن لك مقام محمد على بمصر، ولتكن لك مركبة معدة كمركبته”.

هذا الموقف الوطنى تكرر كثيرا عندما رفض بطاركة كثيرون حماية الكنيسة الكاثوليكية لهم بالإذعان لعقائدها وهناك أيضا البابا كيرلس الرابع البطريرك “110” للكنيسة القبطية الملقب بأبى الإصلاح فقد اهتم بنشر الثقافة فى مصر، وأسس العديد من المدارس وكان يُقبل فيها كل أولاد مصر دون تفرقة بين مسيحيين ومسلمين، ويذكر المؤرخون أن نجاح هذه المدارس دفع كبار علماء مصر إلى المشاركة فى تشجيعها، والإشراف على امتحاناتها وفى مقدمتهم رفاعة الطهطاوى، كما قام ببناء كلية بجوار الدار البطريركية، وهى أول مدرسة أهلية للمسيحيين فى القطر المصرى، ضمت تلاميذ من كل المذاهب والأديان بلا تميز، الأمر الذى خلق ارتياحًا عامًا وسط الشعب المصرى، وهو أول من أنشا مكتبة عامة، ثم عممها فى جميع المدارس التى أنشأها وأصبح بكل مدرسة مكتبة عامة. حتى أن إحدى هذه المكتبات بلغت شهرتها إلى رئيس الوزراء يوسف باشا وهبة وأهدى لها مكتبته النفيسة.

البابا كيرلس الرابع.. أول من اهتم بتعليم الفتاة ويُذكر للبابا كيرلس الرابع بأنه أول من اهتم بتعليم الفتاة فى الشرق العربى كله وأنشأ مدارس لتعليم الفتيات. وعندما هاج بعض المتزمتين والرجعيين واشتكوه للوالى الخديوى إسماعيل وقف الوالى فى صف البابا وأوقف أفدنة من ماله الخاص لكى يصرف منها البابا على مدارس الفتيات، أما الخديوى سعيد فقد أوفده إلى إثيوبيا لتحسين العلاقات بين مصر وإثيوبيا فكان بمثابة سفير لمصر هناك. كما كان البابا كيرلس الرابع وطنيًا غيورًا جدًا وقد دافع عن وطنيته هو والمسيحيين ضد إشاعة مغرضة مفادها طلبه من الخديوى إعفاء المسيحيين من الخدمة العسكرية، وقال “حاشا أن أكون جبانًا بهذا المقدار حتى لا أعرف الوطنية أو أفترى على أبنائى المسيحيين بتجردهم من محبة وطنهم وعدم الميل لخدمته والدفاع عنه وحماية حدوده وأرضه”.

ومن نوادره يُذكر أنه عندما كان قسًا مر متعمدًا فى طريق على جانبه جامع متهدمًا فلامَ المسلمين على ترك الجامع بهذه الحالة ووعد بمساعدتهم إذا هم شرعوا فى بنائه، فكانت محبته لهم سببًا فى مساعدتهم له فى أعماله الإنشائية.

ومن البطاركة الذين تفخر بهم مصر والكنيسة البابا كيرلس الخامس البطريرك “112” الذى واكب الاحتلال البريطانى لمصر وأراد الإنجليز كعادتهم أن يبذروا بذور الفرقة والاختلاف بين عنصرى الأمة، فأرسلوا ما كانوا يسمونه آنذاك بالمندوب السامى، الذى زار البابا كيرلس الخامس يساومه على حماية التاج البريطانى للأقليات فى مصر، فما كان من البابا الوطنى العظيم إلا أن نهره قائلًا: “يا ولدى إن المسيحيين والمسلمين منذ أقدم العصور يعيشون جنبًا إلى جنب، ففى البيت الواحد يتعايشون معًا، وفى المصلحة يجلسون إلى مكاتب مشتركة، ويأكلون من أرض طيبة واحدة، ويشربون من نيل واحد، ويتلاحمون فى كل ظروف الحياة، فى السراء معًا وفى الضراء معًا، ولن يستطيعوا أن يستغنوا بعضهم عن بعض، ولن نطلب حماية نحن المسيحيون إلا من الله ومن عرش مصر”، فخجل الرجل وأبلغ حكومته بهذا الموقف الحكيم فعرف الإنجليز أن الوحدة الوطنية فى مصر قوية.

ومن هذا المنطلق لم يستطِع “اللورد كرومر” فى ذلك الوقت إلا أن ضمن تقريره هذه الشهادة التاريخية المشرفة فقال: “إن الفرق الوحيد بين القبطى والمسلم هو أن الأول مصرى يعبد الله فى كنيسته والثانى يعبد الله فى مسجده.

البابا كيرلس الخامس.. وعلاقته بزعماء مصر ويُذكر عن البابا كيرلس الخامس أنه كان على علاقة قوية بأقطاب السياسة فى مصر وفى مقدمتهم الزعيم الوطنى سعد زغلول فكان يزوره ويدعو له بالبركة وبالتوفيق فى كل خطواته، كما كان على صلة به مستمرة خاصة بعد قيام ثورة 1919، فجعل من كنائسه منابر للخطباء، وأمر القساوسة أن يتعاونوا مع شيوخ الأزهر على توعية المصريين فى طلب الاستقلال ووحدة وادى النيل، وعندما تشكل الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول وسفره إلى لندن فى 11 إبريل 1919 لمفاوضة الإنجليز فى الاستقلال، كان من بين أعضائه 4 من وجهاء المسيحيين، مثل: سينوت حنا وجورج خياط وويصا واصف ومكرم عبيد، وقد ظل البابا مرتبطًا بسعد وبالثورة حتى شاءت إرادة الله أن يتوفى مع سعد زغلول فى نفس السنة ونفس الشهر حيث توفى البابا فى 7 أغسطس 1927، أما سعد زغلول فقد وافته المنية فى 27 من نفس الشهر.

ويذكر التاريخ أنه عندما انحاز الخديوى توفيق للإنجليز، انعقد اجتماع وطنى تصدره الإمام محمد عبده وحضره البابا، الذى تحدث منددًا بمواقف توفيق، وتضامن معه فى موقفه عبدالله النديم، فدعا النديم إلى إنشاء الجمعية الخيرية الإسلامية، ودعا البابا إلى إنشاء الجمعية الخيرية القبطية، ليعملا معًا على نبذ التطرف والتعصب للدين والعرق والجنس.

وعند نياحة البابا كيرلس الخامس نشرت “مجلة المصور” على غلاف الصفحة الأولى من عددها رقم 148 الصادر يوم الجمعة 12 أغسطس 1927 صورة كبيرة له وكتبت تحت الصورة: “وافت المنية فى صباح يوم الأحد الماضى عظيمًا من عظماء مصر ورئيسًا دينيًا كبيرًا لعب فى حياته دورًا هامًا فى تاريخ هذه البلاد وهو مثلث الرحمات الأنبا كيرلس الخامس بطريرك المسيحيين الأرثوذكس”، وبعد أن ذكرت المجلة موجز تاريخه قالت “ويعود إليه رحمه الله الفضل فى اتحاد العنصرين اللذين تتألف منهما الأمة المصرية، فقد وقف أثناء الحركة الوطنية موقفًا أطلق الألسنة بالمديح والثناء. وكان صاحب الدولة الزعيم الجليل سعد زغلول باشا يجله ويحترمه والبلاد تنظر إليه نظرها إلى زعيم من زعمائها الدينين والسياسيين”. وفى داخل العدد نشرت صورة له وهو مسجى على كرسى البابوية وجمهور المودعين يمرون من أمامه وقالت: “إن هذه الصورة التقطت بصعوبة لأن عدد المودعين كان يزيد عن 50 ألفًا”.

وتظهر تجليات وطنية البابا تواضروس الثانى فى مواقفه العديدة التى عبر فيها عن موقف الكنيسة إزاء أخطار كبيرة منها حرق الإخوان المسلمين لأكثر من 80 كنيسة ومبنى خدمى، عندما قال مقولته الشهيرة: “وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”، ثم هدوءه الرهيب إزاء كل الحوادث الإرهابية التى تعرض لها المسيحيين فى عصره وإدراكه جيدا للمؤامرات التى تحاك ضد مصر، وأخيرا رفضه للقانون الذى أثير بالكونجرس عن حماية المسيحيين، حيث أكد أن المسيحيين يستقون بالله فى السماء والمسلمين على الأرض.

بوابة الشباب نيوز

جاء إطلاق بوابة الشباب نيوز على الانترنت ليكون وسيلة لمعرفة الاخبار اول باول، ويمثل إضافة قوية في الفضاء الالكتروني، وجاءت انطلاقة الموقع من مصر من قلب الاحداث ليهتم بالثورات العربية والمشاكل السياسية ويغطى الفعاليات الاقتصادية والرياضية ويواكب علوم التكنولوجيا ويغطي اخبار المرآة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى