قليل من مواجهة الذات: ثقّف نفسك في علم الجنس
بينما نغرق نحن العرب في بحار من «العيب»، تدفعنا في المقابل إلى بحار أكثر خطرًا من «الحياة السرية»، استحدث رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راجوي وزارة جديدة للجنس تولت مسئوليتها إديلميرا بارييرا، ليس بهدف إشاعة الإباحية كما قد يخطر ببالك عند مشاهدة الخبر للمرة الأولى، إنما لتشجيع الأزواج الإسبانيين على الاهتمام بحياتهم الجنسية وسط أعباء الحياة العملية، حيث أدى إهمالهم لها إلى حالة وصفتها بارييرا بـ «المجاعة الجنسية» التي تسببت في انخفاض معدل المواليد بالبلاد بما يهدد التوازن السكاني.
هنا يظهر تساؤل بدائي: لماذا الصمت على كل المفاهيم الخاطئة عن الحياة الجنسية وعلاقة كل إنسان بجسده وبالجنس الآخر، وترك المواطن العربي على مدار مراحله العمرية فريسة للنصائح غير العلمية مسجونًا في إخفاء أي تساؤل لديه حول الجنس، بما يمتد إلى حياته وحياة الآخرين ويُنتج تصرفات مختلفة من تحرش ومشكلات زوجية وانتشار للأمراض المنقولة جنسيًا؟
تساؤل ليس وليد اللحظة على الإطلاق، لكن لم تظهر محاولات لتحسين الوضع على استحياء سوى مؤخرًا، وبما أنه مجال جديد وشائك يحتاج إلى حرص بالغ في تناوله – لا سيما مع توجيه المحتوى إلى متلقين من مجتمعات شرقية – واجهت تلك المحاولات صعوبات وتعثرت كثيرًا قبل أن تصل إلى مستوى مقبول.
على مستوى وسائل الإعلام، اعتاد المتلقي العربي في البداية الاعتماد شبه الكامل على العناوين التي توصف بـ «الساخنة» في الموضوعات المتعلقة بالجنس، لا سيما في التعامل مع حوادث العنف الجنسي بقدر هائل من انتهاك خصوصية الضحية ورواية الأحداث في قالب «درامي مثير». إلى أن أنتجت جهود المجتمع المدني قدرًا طفيفًا من التحسن في تناول هذه القضايا.
وشجع ذلك بعض الصحف على التعامل مع الأمر بشكل علمي، ربما أبرزها جريدة «النهار» اللبنانية التي خصصت قسمًا للصحة الجنسية ضمن قسم الصحة، ليكون معنيًا بنشر آخر نتائج الأبحاث الطبية والاجتماعية والنفسية في هذا المجال، في إطار يبتعد عن ويطرح الموضوعات العلمية مبسطة للقارئ العادي. وانضمت إليها صحف أخرى مثل مجلة «سيدتي» السعودية.
وفي الجانب الفني – المصري بالتحديد – مر التناول الدرامي والروائي للجنس بموجات غير منتظمة من الصعود نحو الجرأة المحسوبة إلى الهبوط لمستنقع الإثارة أو مستنقع الرفض التام. لكن الجانب الأكثر أهمية هو المبادرات التي انطلقت مختصة بالثقافة الجنسية والتعريف بكل ما يتعلق بهذا الصدد، بعيدًا عن القالب الطبي الموجه للمتخصصين أو قالب لفت الانتباه وجذب «اللايكات».
وبرغم أن المشروع انطلق بالأساس بهدف «نشر علم الجنس باللغة العربية وتحديدًا في الشرق الأوسط»، إلا أن الكثير من مقالاته التعريفية بأوضاع وأنشطة جنسية تتضمن آراء ونصائح شخصية، ولا تتعامل بدقة كافية مع شعارها «الجنس ليس خطًا أحمر» ودعوتها إلى أن يكون الجنس مصدرًا للسعادة للجميع، حيث تصدر اهتمامهم الشعار الذي تنتهي به كل المقالات «نتمنى لكم حياة جنسية سعيدة». وربما يعود إلى ذلك إلى فريق التحرير المكون من باحثين بشكل حر، لا تربطهم علاقة بالصحة الجنسية سوى الاهتمام بالأمر.
مبادرة أخرى اتخذت منطلقًا آخر هي «Love Matters» أو «شئون الحب»، وهي مبادرة معرفية ترعاها إذاعة هولندا العالمية RNW ضمن مجموعة مشروعات لحرية التعبير، وتستهدف فئة الشباب في المكسيك والهند وفنزويلا وكينيا والصين والعالم العربي، وتستهدف أن تصبح «مصدرًا معتمدًا للمعلومات حول الصحة الجنسية للفرد والمجتمع»، وأطلقت اسم «الحب ثقافة» على النسخة العربية منها.
اتخذت هذه المبادرة منهج الاعتماد على الأطباء المتخصصين والناشطين الشباب في مجال حرية الرأي والتعبير، وفتح الباب للرد على تساؤلات الجمهور، وتوضيح الحقائق في مواجهة الخرافات المتعلقة بالأنشطة الجنسية وجسد الرجل أو المرأة، باستخدام وسائل توضيحية مختلفة من مقالات ومقاطع فيديو ورسوم كاريكاتير وأشكال فنية، مع شعار هادئ متحفظ قدرًا ما «بصراحة وبدون حرج»، مع التحذير من عدم مناسبة المحتوى لمن دون الثامنة عشرة.
وحاولت المبادرة عند انطلاقها الترويج لنفسها بين الشباب، بعقد حفل في الحرم اليوناني للجامعة الأمريكية بالقاهرة، وإطلاق أغنية للسادات (أحد أشهر نجوم المهرجانات) وفريق Y Crew (أول فريق راب في مصر) تتحدث عن الكبت الجنسي الذي يؤدي إلى الانفجار في المجتمعات الشرقية، باسم «المفاعل المنوي».
لم تحظَ كلتا المبادرتين حتى الآن بما يكفي من انتشار جماهيري، نظرًا لعدم نشاطها على الأرض بين أوساط الشباب، لا سيما الجامعات التي تشهد انفتاحًا نسبيًا في استضافة الفعاليات الممناقشة لمشاكل الجسد، من مشاركات منظمات المجتمع المدني حتى التوعية الصحية بأمراض تُنقل جنسيًا كفيروس نقص المناعة البشري «الإيدز»، والظواهر الاجتماعية والصحية المتعلقة بنوع جنسي ما كالتحرش والختان وسرطان الثدي.