فاطمه ناعوت …. تكتب محفوظ عبدالرحمن.. خزّافٌ يبحث عن الزمن المفقود
هذا أغسطس يعودُ ببرودة قلبه وقسوته التى أعهدها. شهرٌ يُناصبنى العداءَ منذ طفولتى. عوّدنى هذا الشهرُ على اختطاف نُدَف الدفء من قلبى منذ وعيتُ على هذا العالم. قال ت. اس. إليوت، الشاعرُ البريطانى، فى مطلع قصيدة: «الأرضُ الخراب»، إن إبريل أقسى الشهور. ولو كان يضع نظارتى فوق عينيه، أو يحمل قلبى بين ضلوعه، لقال إن أغسطس هو الأقسى. كلّما حطّ هذا الشهرُ رحالَه على الدنيا ودقّ أوتاد خيمته فى خِصر كلّ عام، أمسكتُ قلبى بيدى لكيلا يطير خفقًا من فرط التطيّر والوجل. تُرى ممَن ستحرمنى هذا العام أيها الشهرُ اللصُّ؟! من يا تُرى سيكون طريدتك لتسرقه من دنياى لأبنى له ركنا أبديًّا فى قلبى الحزين؟ أظلُّ أرمق أحبتى وأحصى من سافروا ومن عادوا ومن شغلتنى الحياةُ عنهم ومن شغلتهم الحياةُ عنى. من سيحين حينُ اختطافه فى ركب هذا القناص؟ ولم يُخلف القناصُ عهده الحزين معى فى أى عام. عامًا بعد عامٍ يفطر قلبى. وعامًا إثر عام يقضم من قلبى قطعة من الفرح. طار أبى للسماء فى أغسطس. وفيه كذلك رحل كثيرٌ من آبائى وأمهاتى الروحيين وأساتذتى ومعلّماتى.