حنان موج …. تكتب بازار في مترو الأنفاق
يعلم متخذ القرار جيدا من هم مرتادو مترو الأنفاق في مصر،ويعلم العدد والفئات التي تستخدم كل خط .. ومؤكد درسوا جيدا فترات الذروة.. وكثافة الاستخدام في الخطوط الثلاث،معلومات في منتهى الأهمية يمكن أن تحدد جيدا كيف يمكن تعظيم الاستغلال المستدام لهذا المرفق الهام والحيوي في مصر .. بين عشية وضحاها .. استقبل المصريون خبر ارتفاع أسعار المترو، بدون أي مقدمات، لم يكن ارتفاعا تدريجيا، بل مباغتا وقاسما .. تذكرة المترو من 2 الى 7 جنيه في نهاية الرحلة .
باغتني محرر يعمل معي، وكان مصدوما من هول هذا الارتفاع المفاجئ.. بدأت حسبته ب 7 جنيه .. وانتهت عند 25 جنيه في نهاية اليوم حتى يصل بيته لو ذهب للعمل فقط .. دون أن يذهب في مشوار آخر.. ودون ان يتناول وجبة او كوبا من الشاي حتى، بعد الزيادة المفاجئة لسعر تذكرة المترو .. 1050 جنيها شهريا ذهابا وإيابا للعمل.. حسبة زميلي العزيز لها بقية .. خلاصتها أن الراتب الشهري يحتاج لمضاعفته من 3 ل 4 مرات حتى يفي باحتياجاته وهو الأعزب الذي يعمل في جهتين كي يستطيع الاكتفاء .. ولم يستطع.. بل ولم يفكر حتى هل يستطيع الزواج يوما ما؟ كلنا هذا الرجل .. كنت استمع له وأعلم أنه لسان حال 90 مليون مصري وربما يزيد .. فقد اتسعت رقعة محدودي الدخل، وتقلصت الطبقة المتوسطة، وسحقت الفقيرة. مما لا شك فيه أن وزير النقل كان ينتظر هجوما شديدا على قراره، وثورة غضب عارمة، فهو يحرر سعر المرفق الأهم لانتقال المصريين.. وللأسف محدودي الدخل الذين يحرص الرئيس على التخفيف من معاناتهم، هم أول المتضررين من هذا القرار . ولولا أنني أعلم جيدا أن هناك تنسيقا ما بين كل وزراء الحكومة..
وأنه لا يمكن اتخاذ مثل هذا القرار بدون الرجوع لمجلس الوزراء ومناقشته مناقشة وافية، لكان وزير النقل هو المتهم الوحيد في هذه القضية، في نظر كل المصريين، ويبدو أن القرار تمت دراسته ولكن وزير النقل لم يجد أسهل من مضاعفة سعر التذكرة كحل سريع لتعويض خسائر تجاوزت ال 619 مليون جنيه العام الماضي، ولأنه يعلم أنه يصعب الاستغناء عن مترو الأنفاق، اتخذ القرار باطمئنان شديد.. رغم أنه لو فكر قليلا فكرا اقتصاديا مستدام .. لاستطاع أن يحصد أضعاف هذا الرقم دون أن يحمل المصريين نتيجة خسائر سوء الإدارة داخل المرفق.. ولنا في دول العالم حولنا مثالا.. يمكن تقليده دون تعب أو تفكير ولا تجويد.. وأعنقد أن وزير النقل سافر عدة مرات طبعا قبل الوزارة..
واستخدم وسائل المواصلات في الخارج ومنها مترو الأنفاق .. ورأى بعينه كيف استغلت بلاد الغرب كل شبر في محطات المترو.. جماليا واقتصاديا..محطات المترو في الخارج عبارة عن بازار كبير .. تستطيع أن تجد فيه كل أنواع المشتريات.. يمكن أن تعتبره مولا متنوع المنتجات .. كل أنواع المنتجات، وفي نفس الوقت .. تحفة فنية تسر الناظرين إليها .. مساحة محطات المترو في القاهرة الكبرى مئات الكيلومترات .. لو تم استغلال تلك المساحات كمحال تجارية وبازارات .. وكافيتريات لخدمة رواد مترو الأنفاق، واستغلال القوى الشرائية التي تستخدم المرفق يوميا، لو تم بناء تلك المحلات وتأجيرها لتحققت أضعاف الخسائرالتي مني بها هذا القطاع دون الحاجة لزيادة الأسعار ..
كما يمكن استخدام أسوار المترو الخارجية في تأجير اللوحات الإعلانية كما تفعل القوات المسلحة الآن في استغلال أسوار النوادي والدور العسكرية لأغراض الدعاية التجارية وهي من أهم روافد الدخل، الصيانة الدورية للقطارات والحفاظ عليها.. أيضا من أهم بنود الاستثمار المستدام.. فكم سمعنا عن قطارات احترقت وخردت بسبب اعطالها المتكررة وعدم الاهتمام بصيانتها صيانة دورية تطيل عمر القطار .. الذي يتم شرائه بملايين .. وهي من ضمن قائمة الخسائر . في طريقي الى عملي سمعت إعلانا في كل محطات الراديو تقريبا .. يوضح الهدف من زيادة الأسعار المفاجئة .. ويحاول تخفيف وطأة القرار بالمبرر الذي تم تسويقه وهو الخسائر الفادحة التي يحققها قطاع النقل في هذا المرفق..
وبالمناسبة عرفت الرقم الذي ذكرته سابقا من هذا الإعلان .. وهنا يطرح السؤال نفسه.. كم تكلفت هذه الحملة؟ ومن تحمل نفقاتها ؟
أتمنى أن أجد جوابا مقنعا عن هذا السؤال ؟ وأتمنى ألا يكون المواطن البسيط الذي يلتمس من المترو وسيلة سريعة .. وليست مريحة .. ولكنه يتحمل من أجل الهروب من زحمة ما فوق الأرض.. ناقشني صديقا ليس مصري .. وقال لو تمت معالجة رداءة الخدمة في مترو الأنفاق وسوءها قبل اتخاذ قرار زيادة سعر التذكرة .. لربما تقبل المواطن في سبيل الحصول على بعض الراحة في مشوارة الطويل .. إلا أن الخدمة سيئة والزيادة بذريعة تحسين الخدمة .. قلت له البنك الدولي أنتج فيلما يعدد فيه المعجزات المصرية للنهوض بالاقتصاد المصري .. وجاب هذا الفيلم كل وسائل الإعلام العالمية .. الشيئ الوحيد الذي لم يذكره الفيلم ولم ينتبه له العالم أن المواطن البسيط في مصر الذي تحمل من أجل أن يعيش آمنا فقط .. هو هو من دفع وحده وما زال يدفع .. فاتورة الإصلاح الاقتصادي.. وما زالت أقدام الإصلاح تدهس آدميته، حتى قرر التخلي عنها طواعية، ولم تعد الحياة تختلف عنده كثيرا عن اللاحياة.