مقالات

نهال علام …. تكتب مِصْر بروح الفانلة

بقلم الكاتبة والاعلامية نهال علام نائب رئيس التحرير

ساعات قليلة وتغادر أحلام المصريين التي أختلجت في قلوبهم وعقولهم ما يزيد عن العشرةِ آلاف ليلة الأراضي الروسية ،التي أستقرت عليها لتحمل في رحمها أملاً يولد و تشهدُ فرحًا يؤد!
 
ساعات فاصلة عن مواجهة لازمة بين الفريقين المصري والسعودي، يلعب فيها الفريقان ثأراً من الفِرق الغالبة ، وألماً علي الأهداف الضائعة و وجعاً من الأخطاء المُرعبة!
 
( مليش في الكورة ) ببساطة ودون حذاقة ، أتتعتع في أسماء اللاعبين وفِي النوادي التي ينتمون إليها ، لا فرق لدي بين النيني وحجازي ووردة وكهرباء إلا في الأرقام التي يحملها كل منهم ، تعرفت علي الشناوي وبلا خجل في مباراة أوروجواي بينما كنت أنتظر الحضري وأبحث في معلوماتي المنعدمة ما يحفظ ماء وجهي بسبب جهلي ، فأتفاخر بثقة بأن ” السد العالي” لن يخذلنا ، فهذا كل ما وجدته في صندوق عقلي الكروي ، الأسم الحركي للحضري !
 
ولكنّ إن لم يكن لي في الكورة فأنا( لي في مصر ) ، بحبها ، وطني و إن جار علي ، بلادي حبي وعشقي وفؤادي ، أينما حلّت لها دعمي و وجداني، ومن يُمثلها في وقت الجد تاج علي رأسي وأحلي أُناسِ!
 
ثلاث مباريات أستعدت مصر لخوضها علي مدي ثلاث عقود متتالية وثلاث أجيال متلاحقة، عُمر تاني كان كفيلاً بأن يولد صلاح ويسلك مسلك الفلاح ويلهث وراء النجاح ويحقق الصعب الذي ظننا أنه لن يكون يوماً متاح ، بل ويلامس الحلم الذي لاح.
 
ساعات وسنفارق الأرض ، وسنغيب عن العرض ، و سيُصبِح علينا فَرض ، مراجعة النفس ، جميعاً وبلا إستثناء .
 
فالمشهد الكبير الذي نعيشه، يعُج باللقطات الصغيرة السريعة المتلاحقة التي تستحق التأمل ، فهو مشهد وإن طال إنتظاره وصدّقت توقعاته ، لكننا فيما يبدو قد تفاجئنا به حدّ الصدمة !
 
اللقطة الأولي: لابسين وعلي المونديال رايحين والمشجعين متنمرين ولأي خطأ متربصين و للنقد جاهزين ! وإذا فجأةً يُصبح نصف الشعب المصري خبراء عالميين لصرعات الموضة ، ويتعالى الإستهزاء والأستنكار لزي المنتخب المصري ، ولا أدري هل هذا مقبول ؟
أن يُفْسِد شعب فرحته بسبب صفين زراير ! ويبالغ في إفساد اللحظة بسبب الحِذاء الرياضي الأبيض فتنقلب لحظة إنتظرها عمراً إلي اللون الأسود ! الصورة في مجملها كانت مناسبة ومبهجة ومُشرفة ، مع الأخذ في الإعتبار أن هذا زي خاص بفريق كرة وليس بمغنيين في الأوبرا وأن لكل مقامٍ مقال !
 
اللقطة الثانية: علي مدار شهر رمضان الذي سَبَقَت لياليه كأس العالم ، أزدحمت الشاشات بالأعلانات كالعادة وأستحوذت روح البطولة والتشجيع علي السواد الأعظم من تلك الأعلانات وخاصةً كلما أقتربنا من لحظة البدء، وفِي وسط هذا الزخم العبثي في أغلبه ، طلّت علينا إعلانات كان فيها من الدروس المستفادة ما يأخذ عمراً لنتعلمه!
فظهور الفنان سمير الأسكندراني في أحد الأعلانات كان لفتة رائعة، لأنسان خدم بلاده علي الصعيد الوطني قبل الفني، وربما كانت فرصة لتكريمه بأن نتذكر حكايته البطولية ونحكيها لجيلين لا يعرفا عن الرجل حتي أسمه!
وأيضاً ظهور جيل الكُرة التسعيني في أحد الأعلانات ، حَمَل من الوفاء والربط بينَ الأجيال رسالة كم نحن بحاجة إليها، وكانت رسالة الإعلان الأهم بأن لا تستهين بالخبرات السابقة وظهر ذَلِك جلياً في المباراتين ، فمراعاة الوقت خاصة الدقائق الأخيرة و قيمة ضربات الجزاء نصيحة حثّ عليها الكبار و شهَد عليها الصِغار!
وإن لم يعوض ذلك غيابهم عن مدرجات المشجعين في لفتة إنسانية للقاء الأجيال ، وحتي جيل الوسط الذي تمثل في نادر السيد و حازم إمام و أحمد حسن وغيرهم كنت أتمني أن أراهم جميعاً مصطفين خلف الفريق في صفوف المشجعين، فهنا تكمن الحكمة أن جيل بيسلم جيل عن طيب خاطر وسماحة قلب .
 
اللقطة الثالثة: الهجوم علي كل من سولت له نفسه السفر و تشجيع الفريق موقف يحتاج للتفكير لأنه نموذج واقعي علي الدور السيء التي تلعبه مواقع التواصل الإجتماعي في “إستدعاء الأستعداء” للرأي العام !
 
كانت أصابع الأتهام الأولي للسادة أعضاء مجلس النواب الذين أعلنوا سفرهم دون الإشارة إلي من سيتحمل نفقات الرحلة ، وكان لزاماً عليهم من البداية إضافة عبارة تأكيدية أن المجلس لن يتحمل أي تكاليف، لنزع فتيل أزمة لا شك في وقوعها وفِي ذلك الوقت تحديداً .
 
وأتجهت نيران الأزمة للفنانين والإعلاميين المدعوين من قِبل إحدي شركات الإتصالات ، وفِي واقِع الأمر إلي الآن لم أستوعِب مبرر هذا الهجوم عليهم ! فببساطة هم مصريون تلقوا دعوة لحضور حدث نتمني جميعاً أن نشارك فيه فذهبوا ! فما الذنب الذي أرتكبوه؟
 
اللوم يقع علي الشركة صاحبة الدعوة، قد يكون العُرف الأعلاني العالمي هو مشاركة المشاهير كنوع من الدعاية للشركة الراعية للحدث ، ولكن مع ما يمر به المواطِن من ضغوط مادية فمن الطبيعي أن يكون فريسة سهلة للأستفزاز من تِلْك المواقف ، فكان من الأذكي والأدعي أن نري شباب ” علي باب الله ” وهم كُثَر في صفوف المشجعين ، فالمتفوقين في دراستهم كالأوائل في ربوع محافظات مِصْر ، أو مكافأةً لعناصر الألتراس الذين لم يتورطوا يوماً في حمل ” شمروخ ” و إثارة شغب، أو تكريماً لأبناء الشهداء و زوجاتهم، أو ترفيهاً عن أبناء العريش وسيناء بعد ما تحملوه من ظروف صعبة في ظل مكافحة الإرهاب ، أو تشجيعاً لذوي القدرات الفائقة لنذكِر من ينسي أنهم نسيج هام في بناء هذا الوطن ، أو لرسم إبتسامة علي وجه نزع مِنه المرض فرحته و إغتال سعادته في معاهد ومستشفيات الأورام.
الأختيارات كانت كثيرة أمام الشركة الراعية ولكنها أبَتْ أن تترك المعروف وتتمسك بالمفروض!
 
ولأن الصيد في الماء العَكِر هو حِرفة من لا حِرفة له إلا تعكير الصفو العام بالصور المفبركة للفنانين مع المُنتخب وبمشاركة فيديوهات قديمة للاعبين وهم يغنون ويرقصون فدفَع ذَلِك المصريون لأن يحترقون!
 
الفنان والإعلامي هو مواطن مصري يؤدي رسالة لا تقل أهمية عن أي مجال آخر ، فكل منا هو جندي في موقعه، ولكن مراعاة الحالة العامة والظروف المتحكمة في ” المزاج المجتمعي ” الذي يجسده الفنان ويعبر عنه الإعلامي أولي بأن نضعه في الإعتبار إذا أردنا حُسن الأختيار !
 
اللقطة الرابعة: لقطة الخسارة ، لن أزيد من الشعر بيتاً فعلي مدي ساعات طويلة قامت الأستديوهات التحليلية علي شاشات التليفزيون وعبر موجات الراديو وفِي الأحاديث الجانبية لربات البيوت وأرباب المعاشات بتحليل المباراة !
ولكن كنت أتمني أن أري أستديو تحليلي ينطلق من إحدي مستشفيات الطب النفسي في مصر ، لتحليل رد فِعل غالبية المصريين ، خاصة بعد مباراة مصر وروسيا ، فالسخط والحنق الوقتي مقبول ، لكن الغضب الأعمي الذي يضعنا علي طريق أوله الكراهية وآخره الإلحاد أمر بحاجة للمراجعة والرفض!
فَلَو كان الأمر بالصوم والصلاة لكانت السعودية بلد الحرمين هي الدولة الوحيدة المحتكرة لكل البطولات، وما خرج من أراضيها المقدسة كأس العالم وما تجرع سعودي وَاحِد كأس العذاب والألم!
ولكن الخالق أمر المخلوق بأن يعقِلها ويتوكل ، ولكننا نتناسى التعقُل و لا نغفَل التوكُل!
 
اللقطة الخامسة: خفض الدعم علي المحروقات البترولية ، في خِضم أرتفاع مسببات المُحرِقات الدموية ومن ضمنها الأسباب الكروية ! فكان لذلك أثر واضِح علي الحدة التي تعامل بها المواطنين عندما نزلوا منازل المشجعين!
وتعاملوا بنفس المنهج فإذا قررت الحكومة ” الصب ” في “مصلحةِ “المواطِن بخفض الدعم ، ” فصب ” المواطِن غضبه علي اللاعبين” لمصلحةِ” الحكومة!
 
اللقطة السادسة: بخروج مِصْر والسعودية فهذا إعلان لخروج جميع الفِرق العربية، فما مشكلة العرب في اللعب الجماعي و اللعب كفريق ؟ مِصْر متميزة في الألعاب الفردية كرفع الأثقال والأسكواش ولكن الألعاب الجماعية لازال حالنا كحال أخواتنا العرب ، سياستنا فرق تسُد ، ” واللي تغلب به ألعب به ” ولو علي حِسَاب أقرب المقربين!
 
اللقطة السابعة: لا شك في أن للرياضة سحرها في العموم ، وللمستديرة الصغيرة طلاسم عِشق في الخصوص ، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة مع كل مباراة دولية يخوضها المنتخب، إذا كان ما نراه من أفراح وأتراح تصاحب المنتخب هي مقترنة بالكرة كلُعبة ، إذاً فليتنافس المتنافسون في ذَلِك .
أما إذا كانت تِلْك الحالة مقترنة باسم مِصْر فالأمر مختلف، فمِصر تخوض يومياً آلاف المباريات في التعليم والصحة والصناعة والثقافة والرياضات الأخري فأين نَحْن منها؟
 
فمنذ أيام قليلة غادر عالمنا عالِم مصري جليل لم يعرف معظمنا عن إنجازاته إلا بعد وفاته عندما إهتزت لخبر رحيله المواقع الإخبارية الأجنبية، وهو الطبيب العالمي عادل محمود رائد الطب الوقائي والمناعي ، فأين التراس المشجعين لمصر والمعتزين بمصريتهم لم نري علي صفحاتهم ما يشير للرجل وعلمه ! بالرغم من عدد الأجوال الذي يصعب حصره الذي سدده في شباك مرمي الوطن!
واليوم نشهد جنازة اللواء أركان حرب باقي زكي ، الذي وضع آلية تحطيم خط بارليف، ولكن لم تشهد مواقع العويل رثاءً للرجل ولا صراخاً عليه!
 
وفِي النهاية فإن من يشجع المنتخب فلينتظر مشاركاته القادمة ومع كل أمنياتنا ودعواتنا له بالسداد ، أما من يشجع مِصْر فليشد أزره ويشحذ همته لأنها في مونديال متواصل وتحديات مستمرة بحاجة لجهود ١٠٤ مليون مواطن فهل من لاعبين متحمسين ومستعدين لأحرازِ أهدافٍ حتي آخر صافرة في العُمر ؟
فهل مِن مشجعين لِمِصْر بروح القلب وليس بروح الفانلة ؟

بوابة الشباب نيوز

جاء إطلاق بوابة الشباب نيوز على الانترنت ليكون وسيلة لمعرفة الاخبار اول باول، ويمثل إضافة قوية في الفضاء الالكتروني، وجاءت انطلاقة الموقع من مصر من قلب الاحداث ليهتم بالثورات العربية والمشاكل السياسية ويغطى الفعاليات الاقتصادية والرياضية ويواكب علوم التكنولوجيا ويغطي اخبار المرآة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى