مقالات

نهال علام …. تكتب إهري وإجري!

بقلم الكاتبة والاعلامية نهال علام نائب رئيس التحرير

عشت طفولة سعيدة بلا شك ، تطاردني فتجعلني دائماً مع الحنين علي المحك ، أحن لها بضراوة ،لا تترك مناسبة وإلا تطرق رأسي بهراوة، أتذكر تفاصيلها فتنزل بقلبي طراوة.
أعتدت علي هجماتها التي تمزقني بينَ حاضر واقِعه إفتراضي ! وماضي ذكرياته قادرة علي إعتراضي!

بدأ الْيَوْمَ كأي يوم ، أخبار ليس بها إخبار عن جديد في جعبتها ، مواقِع التواصل الإجتماعي تهدُر بكل ما هو قَادِر علي تقطيع أواصر الترابط الإنساني ، إعلانات مُكررة علي شاشات منورة .

وليمُر الْيَوْمَ مرور الكِرام فيجب أن يُلقي أولاً بعطاياه العِظام، فتأتي للبعض كهدية والبعض الآخر كمن وجدَ لِقية!
فإذا بإليسيا تعلن شفائها من مرض سرطان الثدي ، الّذي واجهته بصلادة وتحملته بصمت ، وشفيت منه بهدؤ ، بعيدا عن منصات الأبتزاز العاطفي رغبة في شعبية زائفة من شفقة زائلة!
وتزامن الخبر مع أغنيتها ” كل اللي بيحبوني” وهي أغنية مُبهجة تؤكد فيها إليسيا علي معاني يجب أن تتحلي بها البشرية كفرض يقين!

وهنا بدأت تروس التواصل الإجتماعي تلوك الخبر ، ولا عجب في ذلك ! ولكن كيفية تداول الخبر علي صفحات البعض كان العجب العُجاب !

فجائت أراء البعض بمشاعِر حقيقية سعيدة بشفاء الفنانة وبأغنيتها الرقيقة ، أما البعض الآخر وهو البعض الصادم تحولت صفحاتهم إلي مدونات تُشبه الكُتيبات التي تُباع في عربات المترو بعيداً عن أعين الرقابة وتتحدث عن عذاب القبر والثعبان الأقرع!

نصّب البعض أنفسهم ألهة وخرجوا علينا بأجتهادات عقلية مريضة تُبرر إصابة إليسيا بالمرض وأختصروها في جملة واحدة ” من عمايلها وطريقة لبسها ” وأستشهدوا بكتاب الله الحكيم ( من أعمالكم سُلِط عليكم ) !

بُهت بما قرأت وتذكرت موقف في طفولتي البعيدة ولكنها من ذاكرتي قريبة، في ذات يوم كنت بصحبة مربيتي الحبيبة رحمها الله وبصحبتنا فتاة ريفية بسيطة تقوم بمساعدتها في أعمال المنزل وفِي ذلك الوقت كان التلفزيون بقنواته الثلاث هو الملك المتوج علي عرش التسلية فجائت أغنية العظيمة شادية ( خد بإيدي )
التي دفعت دموع دادة لتنساب بغزارة لم أفهمها !
فإذا بتلك الفتاة الريفية تقاطع دموع دادة وتسألها بيقولوا ست شادية شايلة صدرها؟ فردت دادة بإقتضاب وكأنها تبتر حديثها حتي لا تُزيد من الشعر بيتاً ، ربنا يشفي كل مريض ، فما كان من الفتاة إلا إصراراً أن تستكمل ما بدأته فقالت لدادة ما هو ربنا بيخلص كله من عمايلها وفساتينها أم “صدر مقور” ؟وإلي هنا لا أتذكر إلا صرخات دادة التي جعلتني أرتعد من فرطِ الخوف عليها خشية أن يصيبها مكروه ،وما كان لي طاقة بذلك .

شكرت الله أن دادة لم تشهد العصر الحجري من قسوة القُلُوب الذي نعيشه وإلا كانت ماتت مرات ومرات قهراً!

بعد كل تلك السنوات التي حملت لنا كم كبير من قنوات العِلْم والتعلم فإذا بِنَفس الأفكار راسخة داخل تجويف أدمغة البعض، ولكن مع الفرق بين فتاة لم يكن بقريتها مدرسة وهؤلاء الذين بعضهم قادر علي أن يمتلِك مدرسة!

ولَم يقتصر العَجن الألكتروني عِند الوقوف علي أسباب مرض إليسيا إذا كان تخليص ذنوب أم إنتقام عادل! بل تمادي إلي كليب الأغنية الذي ترقص في نهايته! وبهذا قدمت إليسيا دليلاً جديداً يثبت إدانتها بتهمة تستحق عليها هذا المرض العضال و أن الشفاء الذي رزقها الله به لا تستحقه، فهل جزاء الشفاء أن تغني و ترقص ؟
لم يكتفوا بمحاسبة إليسيا بل تمادي جهل ألسنتهم وفراغ عقولهم إلي حساب رب إليسيا!

آلاف من البشر يعانين من مرض السرطان بشكل عام ، منهم المئات مِن السيدات يُصبن يومياً بمرض سرطان الثدي، أمهات فضليات وجدات عزيزات وبنات كالوردات.
السرطان مرض خبيث كريه ، إبتلاء شديد من رب رحيم ، له الأمر وعلينا القبول ، ينزِل المرض بكلمة ويرفعه بنفس الكلمة ( كُن ) فيدور الكون ليرسِم ما قرره الله بين الكاف والنون!

ولن أنسي من ذكرياتي المكتظة مرحلة ما بين الطفولة والشباب تلك الشابة الصعيدية الأصل التي ظلت لفترة تناهز العشر سنوات تساعد أمي في أعمال المنزل بعد وفاة دادة الحبيبة .
وكانت والدة تلك الفتاة مسؤولة عن التنظيف في إحدي المستشفيات العامة في إحدي قري الصعيد الفقيرة ، وسأترك لخيالكم هول شظف الحياة التي عاشتها تلك السيدة الفاضلة وهي أم لثلاث بنات أدت رسالتها في التربية بكل ما أستطاعت ، والتعليم قدر ما أستطاعت ! وكانت مصابة بنفس المرض وظلت لما يجاوز العشرين عاماً تقاتله ببشاشة حتي فتك بها بشراسة !
وهي لم ترتدي يوماً مقور ولا مدور ! هاجمتني ذكراها في مولِّد توزيع صكوك الجنة والنار ، كنت أتمني أن أطرح قصتها لعلهم يتراجعون ولكن ما الفائدة؟ لو عرفوا عن تلك المقاتلة إنها كانت (مسيحية )فستجد سفهاتهم ما تقتات عليه!
وكما عودتنا مواقع (اللت الأجتماعي )أن لا يخبو خبر إلا بأشتعال النار في جُذوة خبر آخر! فجاءت حلا شيحة بخبر خلع حجابها وعودتها للتمثيل مرة أخري لتحول دَفة سفن الحلال والحرام والجنة والنار التي تسبح في بحر ظلمات مواقع تواصل الهري الإجتماعي لترسو علي شاطئ حلا الأنساني، تسدد بيادقها وتلقي بقنابلها في ميناء حريتها!
تناسوا أنها إنسانة قبل أن تكون فنانة ، لها إرادتها وأسبابها وقناعتها اللتي أستخدمتها بشكل لم يضُر أحداً ، اللهم إلا شبكات الأنترنت مِن فَرْطِ أستخدامها !
وهنا تذكرت ( هوجة ) إعتزال الفنانات في أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي ، وكنت كطفلة في ذلك الوقت ( يعِز ) عليا أن لا أري بعضهم علي الشاشة مرة أخري ، فسئلت والدتي لم الأعتزال ؟ فكانت إجابتها هي دستور الحريات الذي أقره عقلي طوال سنوات عمري وصّدّق عليه قلبي !
بأنها حرية شخصية وعلينا أن نحترم خيارات بَعضُنَا البعض، وأن المرء عندما يقرر أمراً في حياته يجب أن يجلب له الرِّضا، وإن سَلَب منه راحة ربما حان الوقت ليأخذ منها إستراحة! علمتني أمي أن المرء حُر مالم يضر ، وأن جزء مِن إنسانيتنا مرتبط بأن نكون أسياد علي حرياتنا ، نروضها حتي لا تخذلنا ، نصونها ونحافِظ عليها ونُحسِن إليها ، لأنها في النهاية هي ما تُبقي علينا.

أخبار حلا وإليسيا كانت صيد وفير يحمل خير كثير ليسد به ” نابشي الأفكار والقلوب ” فراغ كبير .
ولكن البُشري السارة للفنانتين أن بحر الأخبار رزقه واسع وأمواجه متلاطمة بسيرة فلان وعِلان ، وموجة تمحو آثار موجة ، وتُلقي بكل ما حملته من لت وعجن علي شواطئ النسيان ، فربما هي ساعات ما تفصلنا عن خبر جديد سيأخذ نصيبه من الهري العجيب ذو الشِعار الفريد ، “إهري و إجري “!

بوابة الشباب نيوز

جاء إطلاق بوابة الشباب نيوز على الانترنت ليكون وسيلة لمعرفة الاخبار اول باول، ويمثل إضافة قوية في الفضاء الالكتروني، وجاءت انطلاقة الموقع من مصر من قلب الاحداث ليهتم بالثورات العربية والمشاكل السياسية ويغطى الفعاليات الاقتصادية والرياضية ويواكب علوم التكنولوجيا ويغطي اخبار المرآة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى