قال رئيس مصر لناس مصر يوم عيد العمال «جبرتم خاطرى» والعبارة من عمق الحس الشعبى المصرى، فأنت حينما تتوسم أو تتعشم الرجاء في إنسان ويستجيب لرجائك فقد جبر بخاطرك. والناس تردد عادة عبارة «جبر الخواطر ع الله»، غير أن «جبر الخاطر» له معنى فلسفى آخر وهو ثمرة فعل خير أو قل محصلة رجاء. وفى المنتدى الإسلامى جدايل «أن هناك أدعية مستجابة فيرفع الهموم وجبر القلوب المكسورة» ويرى فقهاء أنه «إذا كثرت عليك الابتلاءات والهموم والمصائب فأكثر من الدعاء وكن على يقين بالله في الاستجابة». ويقول بسطاء الناس حين تنفك ضفائر مشكلة «ربنا جبر بخاطرك» وهى عبارة موقعها في النفس جميل.
حين يقول رئيس دولة لشعبه «جبرتم خاطرى» ليس فقط على استجابة الشعب للتعديلات الدستورية ولكن على صبره الطويل على مرارة دواء الإصلاح الاقتصادى. وقد حذرت يوماً من بالونة الصبر ولكنه كان يراهن على «وعى المصريين». كان الرئيس «متعشم» في الشعب أن يتحمل قسوة القرارات الاقتصادية كان لدى الرئيس «رجاء» في الكتلة السكانية من المصريين ربما لأنه يعرف جيداً «معدن» المصرى وربما لأن المصريين خبروا حكم المرشد وكان السيسى- كما نقول في المسيحية «رزق» لمصر، فالرجل يعلم أن هذا الشعب «ماصادفش حد يطبطب عليه» يعلم أيضاً التدين الوسطى للمصريين و«من قطع رجاء من ارتجاه الله قطع الله رجاءه إلى يوم القيامة».
حين يرجو رئيس مصر أن يتحمل الشعب مرارة الدواء كعلاج نحصد ثمرته غداً، فهو رجاء مشروع.
جبر الخواطر- في الموسوعة الإسلامية- هو «خلق إسلامى عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل يجبر بالخاطر» وجاء أيضاً أن جبر الخواطر من العبادات المهمة وله ثواب كبير عند الله وإن كان يغفله البعض مع أن جبر الخواطر يمسح دمع العين. هل جبر الخواطر يمنح طاقة إيجابية؟ نعم. مازلت أذكر دعوات أمى حين كنت أمتحن في المدرسة أو الجامعة «ربنا يجبر بخاطرك» كانت الدعوة تبعث في نفسى التفاؤل وإن كنت لا أفهم معنى جبر الخاطر! فيما بعد فهمت أن جبر الخاطر مقصود به مداواة القلب و«الجبر» يكون مداواة للكسر وتأتى منه «الجبيرة» والتى تداوى كسور العظام وفى القيم الإسلامية جبر الخاطر في المرتبة الأولى. وهذا الحوار القصير العميق بين الرئيس والشعب كان عميقاً وله دلالته عندما قال «جبرتم خاطرى». حين يقول الرئيس هذه العبارة فهو أيضاً «يجبر بخاطر الشعب» العبارة تشى بالامتنان المتبادل.
ومن المعانى المهمة أن ما يحجب الإنسان عن «جبر خاطر» أخيه الإنسان هو الأنانية وحب الذات. وفى العلاقات الاجتماعية فإن الزوج عليه أن يعى أهمية أن يقوم بجبر خاطر زوجته فهذه من صفات السماحة والتواضع، وكأسلوب تربوى فإن على الأبناء أن يقوموا بجبر خاطر الأمهات فلهذا ثواب كبير فضلاً عن أنه من ثوابت التربية الأخلاقية ويحفظ الناس هذا المعنى ويرددونه دائماً «اللى يكسر بخاطر أهل الأرض يجبر بخاطره رب السماء». إنها تعوض المكسورة قلوبهم.. ولذلك جاءت آيات الإنجيل في المسيحية تقول «قريب هو الرب من المنكسرى القلوب ويخلص المنسحقى الروح». وآية أخرى تقول: «الرب يشفى المنكسرى القلوب ويجبر كسرهم».
■ ■ ■
لو كنت أتولى كتابة مانشيت الصحيفة التي ستصدر بعد تصريح الرئيس بعبارته «جَبرتم بخاطرى» لقلت بلا تردد: الامتنان.
نعم في حديث الرئيس قيمة مهمة لعلها من أفضل الفضائل وهى الامتنان للشعب.
لماذا هو ممتن لهذا الشعب؟
١- لأن الشعب تحمل الدواء الاقتصادى وإن توجع قليلاً.
٢- لأنه صاحب أكبر مظاهرة حب في ٧٣ لم تشهدها مصر من قبل.
٣- لأن المصريين يقتلون الإشاعات في مهدها.
٤- لأنه يشعر بالإرادة الشعبية حاضرة ويثمنها ويشيد بها.
٥- لأنه أعطى للشعب صدارة المشهد السياسى.
٦- لأنه يريد أن يرد للشعب عطاءه الصامت.
٧- لأنه ينسب كل إبداع أو إنجاز للشعب.
٨- لأنه ببراح كبير أعطاه الفرصة ليكمل المسيرة.
٩- لأن المصريين ساندوه في رحلاته الخارجية الناجحة.
١٠- لأنه يثق في القدرات المصرية وما تخبئه من جبروت.
١١- لأنه قال كلمته وحافظ عليها وهم يقدرون كلمته.
١٢- لأنه يقول لهم «كلنا مع بعض السبب في الفشل والنجاح».
١٣- لأنه يعلن أنه «منحاز لهم دائماً».
١٤- لأنه يقدر دور الشعب الوطنى على امتداد العصور.
١٥- لأنه يردد للشعب «بينى وبينكم بلد مش كرسى».
■ ■ ■
هذا الشعب المصرى الذي يعترف الرئيس بأنه «جبر خاطره وخاطر مصر»، هو نفسه الرئيس الذي يقول: «أنا ليا مين غير شعب مصر؟!».
عدد المشاهدات: 828
