مقالات

مفيد فوزي…. يكتب بعض الكلمات قبور!

بضع حروف متشابكة متعانقة متجانسة تشكل «كلمة». هناك كلمة تسعدنى، وهناك كلمة تحبطنى. هناك كلمة تجعلنى أطير فرحاً وهناك كلمة تجعلنى أنشطر إلى نصفين. هناك كلمة مفعمة بالأمل، وهناك كلمة مفخخة يتعلمها أطفال المعاهد فتزرع فى صدورهم القتل وكراهية الآخر. وليس بالشجب العصبى ولا بالخطب الرنانة يتوقف القتل، إنما باجتثاث الجذور ونسف الكلمات المفخخة وأوامر القتل الصريحة. ودون هجوم أو تطاول أو ازدراء، فالأمر يحتاج رحلة للجذور السام منها والمتوحش. والأمس ليس ببعيد، فمن طعن نجيب محفوظ فى رقبته لم يقرأ حرفاً لأديب نوبل، بل لا يعرفه أساساً. إنه مجرد «أداة» تلقى أمراً وبالسمع والطاعة ينفذه. ذهب الصبى «الأداة» ليقتل هذا «الكافر». أنطق الكلمة وأنا مثل الملايين يقتلنا الخزى والعار. إذ جاء زمن ضال وبعض العقول الضالة لتقودنا إلى الضلال.. لولا أن مصر «المحروسة» قاومت الفناء. ولأن التعليم فى الصخر كالنقش على الحجر، يأخذ هذا القتل واستهداف المصريين تفسيراً آخر، فالقضية «تربوية» وإن أخذت بعداً سياسياً. القضية تربوية، طرفاها، صبى بكر النفس والعقل ومعلم متشدد لمنهج أكثر تشدداً. نعم، الظلمة عالم يشى ما بداخله، فكلمة التشدد تشى بالجهل والتعصب. وعيب حلولنا لقضايا القتل إنها حلول وقتية ومجرد حالة فوران. الغرب لا يعرف الفوران ولكنه يدشن نظرية «النفس الطويل» فلا مكان للفتور. والقتل المفخخ فى بلادنا يعتمد على «الغدر» والكلمة تشى بالخسة والجبن. وأعود إلى كلمة أشعر أنها تفرض نفسها على قلمى وهى كلمة «صياغة» أى «Rebild» أى إعادة بناء. إننا حقاً فى حاجة إلى «نسف حمامنا القديم». فى حاجة إلى نسف مناهجنا البالية والقيام بتنقيتها من الشوائب، والأهم تعميق الانتماء. وكلمة «انتماء» تشى بحب وطن هو علم وأرض ونشيد وأصدقاء، نعم، الكلمة نور وبعض الكلمات قبور.

■ ■ ■

نفتقد كثيراً فى مجالسنا ومنتدياتنا آداب الحوار. نكاد نفقد ما يسمى أدب الإصغاء. نحن نتحول إلى «أعداء» بمجرد الاختلاف فى الرأى. فقدت أصدقاء منذ سنين، لأنى قلت لهم يوماً «عبدالناصر علّم الناس الوطنية وكان زعيماً لا يبارى وجاء لنا بالنكسة» والسادات «لم نصدق عام الحسم حتى جاء لنا بنصر أكتوبر الذى محا الذل والهوان»، صرنا زعماء تعلو أصواتنا فى توافه الأمور ولا نسمع بعضنا البعض، لم نتعلم بعد فضيلة «الصمت» لكى نسمع ونفهم، وأحفظ مثلاً صينياً يقول «الإصغاء الجيد حديث جيد»، مع أن الكلام كالدواء إذا قللت منه نفع وإن أكثرت قتل. وأنت بالصمت آمن للزلل ومن كثرة الكلام فى وجل، وتقول حكمة هندية «تعظنا النملة دون أن تنبس بكلمة». أسواق الكلام عندنا لا أول لها ولا آخر. كأن الناس تروق لها أصواتها. لقد صارت المقاطعات الصارخة سمة مناقشاتنا فى كل مكان: على الشاشات، وفى البرلمان، وفى الندوات. كلها ثرثرة غير مفهومة ويتوه القصد وتبدو وكأنها معارك حامية الوطيس فيها التشبث بالرأى وفيها «احتكار الحقيقة» وفيها الغلبة بالصوت. ليس من بينها من يقول تواضعاً «لا أدرى» صار الكلام حرفة، وهناك من يتقنون هذه الحرفة، وبعد الثورة الينايرية، صرت مستمعاً أكثر من متكلم ولا أتكلم إلا عبر منصة أملك فيها حرية التعبير. فإذا شعرت بقذائف الكلمات فى مناقشة لذت بالصمت، وفلسفتى أن «مقتل الرجل بين فكيه». فلسفتى أن من الإصغاء تأتى الحكمة. فلسفتى المثل الإنجليزى «الفم المطبق لا يدخله الذباب» فلسفتى حكمة من كوبا «الثرثرة لا تسدد الضرائب». فلسفتى أن الصمت هو العلم الأصعب فى علم الكلام. لكن الصمت الذى أحتمى به من القذائف لا يمنع إعلان وجهة نظرى عملاً بالمقولة القديمة «تكلم حتى أراك». إن الحكمة العربية تقول «لا تترك لسانك يسبق عقلك»، وهى حكمة بليغة شديدة الفصاحة. إن الحجة تكشف الزيف ومن هنا جاء تعريف ابن خلدون لعلم الكلام إنه «علم يتم من خلاله إثبات العقائد الدينية عن طريق دفع الشبهات من خلال إبراز الحجج».

حقاً إن «الكلمة نور وبعض الكلمات قبور».

■ ■ ■

تقول رائعة عبدالرحمن الشرقاوى فى مسرحيته «الحسين ثائراً»:

– فى البدء كانت الكلمة.

– وفى النهاية كانت الكلمة.

– وما أيسرها إن هى إلا كلمة. كبرت كلمة.

– وهل البيعة إلا كلمة وما دين المرء سوى كلمة.

– وما شرف الله سوى كلمة.

– أتعرف ما معنى الكلمة؟

– مفتاح الجنة فى كلمة.

– دخول النار على كلمة.

– قضاء الله هو كلمة.

– الكلمة لو تعرف حرمه زاد مزخور.

– الكلمة نور وبعض الكلمات قبور.

– وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم فيها النبل البشرى.

– الكلمة فرقان بين نبى وبغى.

– بالكلمة تنكشف الغمة.

– الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة.

– الكلمة تهدى العالم. الكلمة زلزلت المظالم.

– الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية. إن الرجل هو الكلمة.

– شرف الله هو الكلمة.

فى الشأن العام

1- أولادنا ما عادوا ينتمون لمنظومة الأمهات والآباء بل صاروا ينتمون لشلة الأصدقاء ليل نهار.

2- سعر كيلو القوطة أكبر من «إيجار قديم» لشقة فى وسط البلد، لأن العدالة مفقودة وغائبة وخرجت ولم تعد.

3- يوم 17 إبريل عام 1993، ودعنا المفكر صاحب موسوعة شخصية مصر «دراسة فى عبقرية المكان». هل تذكرناه بكلمة؟ جحود..! «اسمه د. جمال حمدان».

4- إننى أخشى إذا وصفت المحكمة وصفاً لا يليق بهيبتها واحترامها أن يأتى فى الوصف عوار يحاسبنى عليه القاضى يوم جلسة محاكمة قتلة «النائب العام» حين ظهرت علانية خطيبة أحد المتهمين فى القفص وهى تتباهى بدبلة الخطوبة «!» لذلك يتعين علىَّ السكوت.

5- الدنيا سلف ودين.. و«سلفيين» أيضاً.

6- يحكى أن امرأة عربية فى الخمسين كانت تصعد سلم باخرة وخلفها امرأة فرنسية فى السبعين تنط وتفط، لأن الهواء الذى دخل الرئتين.. مختلف.

7- بلد كورة «شهادات سابقاً».

8- ليس كل كاتب «مقروء» ولا كل من ركب حصان «خيّال».

9- أخطر عملية «تجميل» فى المجتمع هى عملية شد وجه.. الحقيقة.

10- فى علم السياسة: إرضاء كل الناس.. رهان على «مستحيل».

11- لجان، لجان، لجان، رؤساء لجان، تكوين لجان، لجان، ذهب «العقم» الإدارى فى زمن رسالة الواتس أب إلى أمريكا فى ثوان.

12- سؤال: هل صار الخجل جبناً والحياء ضعفاً والأدب استكانة والشتيمة منهج حياة؟

13- لدينا عقول تفكر و«عجول» تعطل مسيرتنا.

14- سئلت: ماذا يجمع بين صدام حسين والقذافى؟ قلت: الهذيان العاقل.

15- بعد تعويم الجنيه، طال الغلاء «الضحك» فاكتفى الناس بالنكد.

بوابة الشباب نيوز

جاء إطلاق بوابة الشباب نيوز على الانترنت ليكون وسيلة لمعرفة الاخبار اول باول، ويمثل إضافة قوية في الفضاء الالكتروني، وجاءت انطلاقة الموقع من مصر من قلب الاحداث ليهتم بالثورات العربية والمشاكل السياسية ويغطى الفعاليات الاقتصادية والرياضية ويواكب علوم التكنولوجيا ويغطي اخبار المرآة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى