مقالات

عامر مأمون …. يكتب الشرف الحقيقي

بقلم :عامر مأمون مدير مكتب القاهرة

الشرف يعتبر من الاخلاق الحميدة ولا يقاس بالمال ويمثل نقاء النفس والسريرة والامانة المادية والخلاقية ولو فهِم الناسُ معنى الشرف، لأصبَحوا كلهم شرفاءَ.

ما من عامل يعملُ في هذه الحياة إلا وهو يطلُبُ في عمله الشرفَ الذي يتصوَّره، أو يُصوِّره له الناسُ، إلا أنه تارة يخطئ مكانه، وتارة يُصِيب.

يقتُل القاتلُ وفي اعتقاده أن الشرفَ في أن ينتقمَ لنفسِه أو عِرضه بإراقة هذه الكمية من الدمِ، ولا يبالي أن يسميَه القانونُ بعد ذلك مجرمًا؛ لأن البيئة التي يعيش فيها لا توافقُ على هذه التسمية، وهي في نظره أعدلُ من القانون حُكمًا، وأصدق قولاً.

يفسُقُ الفاسقُ وفي اعتقاده أنه قد نفض عن نفسِه بعملِه هذا غبارَ الخمولِ والبَلَهِ الذي يُظلِّلُ الأعِفَّاءَ والمُستقيمين، وأنه استطاع أن يعمل عملاً لا يُقدِم عليه إلا كلُّ ذي حِذْقٍ وبراعةٍ وشجاعة وإقدامٍ.

يسرِقُ السارق، ويزوِّر المزوِّر، ويخونُ الخائنُ، وفي اعتقاد كلٍّ منهم أن الشرفَ كلَّ الشرف في المال، وإن كان السبيلُ إليه دنيئًا وسافلاً، وأن للذَّهب رنينًا تخفِتُ بجانب صوته أصواتُ المعترِضين والناقدين شيئًا فشيئًا، ثم تنقطعُ حتى لا يُسمَع بجانبه صوتٌ سواه.

هكذا يتصور الأَدْنِياءُ أنهم شُرَفاء، وهكذا يطلبون الشَّرفَ ويُخطِئون مكانه، وما أفسدَ عليهم تصوُّرَهم إلا الذين أحاطوا بهم من سُجَرائهم وخُلَطائهم وذوي جامعتهم، أولئك الذين يحتقرونَ المَوْتُور حتى يغسلَ الدَّمَ بالدمِ، فيُعظِّمونه، وينعَوْنَ على الرجلِ المستقيمِ العفيف بلاهَتَه وخمولَه حتى يفجُرَ ويستهتِرَ، فيُطْرُونه ويُجلُّونه، ويُكرِمون صاحبَ الذهب، ولو أن كلَّ دينار من دنانيره محجم من الدَّمِ، وأولئك الذين يسمُّون الفقيرَ سافلاً، وطيِّبَ القلب مغفَّلاً، وطاهرَ السريرةِ بليدًا، والحليم عاجزًا.

 

لا تعجَبْ إن سمعتَ أن جماعةَ الأغنياء الجهلاء تنعكس في أدمغتِهم صورُ الحقائق حتى تلبَسَ في نظرهم ثوبًا غيرَ ثوبها، وتتراءى في لونٍ غيرِ لونها؛ فإن بين الخاصةِ الذين نعتدُّ بعقولهم، ونمتدحُ أفهامَهم ومداركهم – مَن لا يُفرِّق بين الرَّذيلة والفضيلة، حتى إنه لَيكاد يفخَرُ بالأولى، ويستحيي من الأخرى.

 

فمن شاء أن يهذِّبَ أخلاقَ الناس، ويقوِّمَ اعوجاجَها، فلْيُهذِّبْ تصوراتِهم، وليُقوِّمْ أفهامَهم، يوافِهِ ما يُريدُ من التهذيب والتقويم.

 

ليس من الرأيِ أن يشير المعلِّمُ على المتعلِّم أن يجعلَ هذا المجتمع الإنساني ميزانًا يزِنُ به أعماله، أو مِرآة يرى فيها حسناتِه وسيئاتِه؛ فالمجتمعُ الإنساني مصابٌ بالسُّقم في فهمِه، والاضطراب في تصوُّرِه؛ فلا عبرة بحُكمِه، ولا ثِقة بوزنه وتقديرِه.

 

ليس من الرأي أن يُرشِدَ المعلِّمُ المتعلِّمَ إلى أن يطلُبَ في حياته الشَّرف الاعتباريَّ؛ فليس كلُّ ما يعتبرُه الناسُ شرفًا هو في الحقيقة كذلك.

 

ألا تراهم يعدونَ أشرَفَ الشَّرَفِ أن يتناول الرجلُ من الملك قطعةً من الفضة أو الذهب يحلِّي بها صدره، وربما كانوا يعلَمونَ أنه ابتاعها بماله كما تبتاع المرأةُ من الصائغ حِلْيَتَها؟!

 

لا شرَفَ إلا الشرفُ الحقيقي، وهو الذي ينالُه الإنسانُ ببَذْلِ حياته أو ماله أو راحته في خدمة المجتمع البشري جميعِه، أو خدمة نوعٍ من أنواعه.

 

فالعالِم شريف؛ لأنه يجلو صدأَ العقل الإنساني، ويصقُلُ مِرآتَه، والمجاهد في سبيل الدفاع عن وطنِه شريفٌ؛ لأنه يحمي مواطنيه غائلةَ الأعداءِ، ويَقِيهم عاديةَ الفَناء، والمُحسِن الذي يضع الإحسانَ في موضعه شريفٌ؛ لأنه يأخذُ بأيدي الضعفاء، ويُحيي أنفسَ البؤساء، والحاكم العادل شريف؛ لأنه رسولُ العناية الإلهية إلى المظلومين، يمنَعُهم أن يبغيَ عليهم الظالمون، وصاحب الأخلاقِ الكريمة شريف؛ لأنه يُؤثِّرُ بكرَمِ أخلاقه وجمال صفاتِه في عُشَرائِه وخُلَطائه، ويُلقي عليهم بالقدوةِ الصالحة أفضلَ درسٍ في الأخلاق والآداب، والصانع والزارع والتاجر أشرافٌ متى كانوا أمناءَ مستقيمين؛ لأنهم هم الذينَ يحمِلون على عواتقِهم هذا المجتمعَ البشري، وهم الذين يحتملون ما يحتملون من المؤونةِ والمشقة في سبيلِه؛ حذرًا عليه من التهافتِ والسقوط.

 

فإن رأيتَ في نفسِكَ أيها القارئ أنك واحدٌ من هؤلاء، فاعلَمْ أنك شريف، وإلا فاسلُكْ طريقَهم جَهْدَك؛ فإن لم تبلُغْ غايتَه، فأَخْذُ القليلِ خيرٌ من تركِ الكثير، فإن لم يكن هذا ولا ذاك، فلْتَبْكِ على عقلِكَ البواكي.

بوابة الشباب نيوز

جاء إطلاق بوابة الشباب نيوز على الانترنت ليكون وسيلة لمعرفة الاخبار اول باول، ويمثل إضافة قوية في الفضاء الالكتروني، وجاءت انطلاقة الموقع من مصر من قلب الاحداث ليهتم بالثورات العربية والمشاكل السياسية ويغطى الفعاليات الاقتصادية والرياضية ويواكب علوم التكنولوجيا ويغطي اخبار المرآة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى